عرض مؤخرا على منصة “شاهد” مسلسل “عالحد”، وهو دراما مشتركة سورية لبنانية من بطولة النجمة السورية سلافة معمار، يناقش المسلسل مسائل اجتماعية شائكة في اثنتي عشرة حلقة، ويبدو أن المحور الأساسي في المسلسل هو العنف الذي يمارس على أساس النوع الاجتماعي، والذي تمت مقاربته بأشكاله المختلفة من تحرش وعنف جسدي وجنسي وخيانة.
تتمثل الإشكالية التي يطرحها هذا المسلسل في طريقة معالجة المشكلة، فالبطلة “ليلى” وهي سيدة سورية تعيش مع طفلتها وبيت خالتها في بيروت بعد اختفاء زوجها لمدة ثماني سنوات، تلجأ للعنف المضاد كوسيلة لتخليص النساء مما يعانين منه على أيدي الرجال، وهي الصيدلانية المعروفة بإنسانيتها تتحول لقاتلة متسلسلة تقضي على أي رجل تجتمع فيه صفات المعتدي على النساء، مبررة ذلك بغياب القانون الذي يحاكم هؤلاء نتيجة لذلك تفعل هي ما يعجز القانون عن فعله.
يضعنا هذا المسلسل أمام الكثير من التساؤلات، فهل من الطبيعي أن نتعاطف مع ليلى ونبرر جرائمها، أو نلومها ونعتبرها لا تختلف عن هؤلاء الرجال، ما الذي يمكن أن تتركه شخصية مؤثرة كهذه في عقول الفتيات والمراهقات، وهل يجب أن تطرح مواضيع اجتماعية حساسة في قوالب درامية كهذه؟
العنف الممنهج ضد النساء
تعاني المرأة في المجتمعات العربية من عنف ممنهج إن كان رمزيا أو جسديا وجنسيا، حيث شهدت السنوات الأخيرة ومع انتشار منصات التواصل الاجتماعي عملية كشف لهذا العنف الذي تعانيه المرأة والذي يبدو نمط حياة في مجتمعنا، أكثر من كونه حالات فردية لها أسبابها ودوافعها، وبغض النظر عن نتائج هذا العنف إن كانت إنهاء حياة أو عنف يومي متكرر فما يصلنا من هذه الحالات قليل جدا مقارنة بالواقع.
في العام 2017 شهدت لبنان عدة حالات لنساء قُتلن نتيجة تعنيف، حيث قُتلت خمس نساء خلال أقل من أسبوعين ونظمت حينها مجموعة من النساء وقفة احتجاجية بعنوان “كان فيها تكون أنا”، وكانت رسالة هذا الاحتجاج “رفض تطبيع العنف وتبريره كحوادث فردية في الوقت الذي يبدو أنه عنف ممنهج”، وكذلك في الأشهر الأخيرة شهدت سوريا حالات مماثلة من عنف ضد النساء، وبحسب شبكة “غلوبال” الإعلامية، فقد بلغت حالات العنف في العام 2021 ضد النساء 1637 حالة اعتداء جسدي وجنسي منها 1223 اعتداء جسدي و 414 حالة اعتداء جنسي ووثقت أكثر من حالة قتل.
هذا الرقم يعبر عن الحالات الموثقة فقط فيما تمتنع الكثير من النساء عن الإقرار بالعنف الممارس عليهن، ويعتبر العنف ضد النساء عنفا مركبا حيث يتشابك العنف البنيوي مع السلوكي لينتج عنهما عنف ممنهج، فالبنية المجتمعية التي تعزز عدم المساواة بين الجنسين تؤدي إلى عنف سلوكي يمارسه الرجل على المرأة، وحتى إن لم يصل هذا العنف إلى حده الأقصى بإنهاء حياة المرأة فهو ينطوي على رغبة بإقصاء الآخر ونفيه وعدم الرغبة بالتحاور معه، وحسب الناشطة الاجتماعية نهى كامل، فإن الأسباب التي تعزز من وجود هذا العنف عديدة.
وتضيف خلال حديثها لـ”الحل نت” قائلة، “تتضافر مجموعة من الأسباب لتشكل أرضية تغذي العنف ضد المرأة، فالعقلية الذكورية التي تعامل المرأة على أنها أقل من إنسان والتي ترتكز على عادات مجتمعية وتأويل جزء من النصوص الدينية بطريقة خاطئة، وتحريفها بما يتناسب مع سياسة إخضاع المرأة لسلطة الرجل بالإضافة لغياب القوانين أو التساهل في تطبيقها، جميع هذه العوامل خلقت حالة من الاستسهال لتعنيف المرأة وقتلها”.
هل العنف المضاد حل لمشاكل المرأة؟
يقول الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر “العنف يبرر نفسه دائماً بأنه يحارب العنف، أي أنه رد فعل ضد عنف الآخرين”. تتبنى كاتبتا سيناريو مسلسل “عالحد” هذه المقولة بقصد أو بدونه، فالبطلة تقرر تحقيق العدالة بنفسها وقتل أي رجل تخول له نفسه استضعاف امرأة أو الاعتداء عليها، في الوقت ذاته جميع الرجال ضمن هذا المسلسل رغم خصالهم الجيدة في نواح كثيرة إلا أنهم معنِّفون ومتسلطون على النساء. هذا التعميم يجعلنا في حالة شك هل جميع الرجال في لحظة ما قد يتحولون إلى معنفين قساة.
ما التربية التي يخضع لها هؤلاء لتجعلهم كذلك، أم أن العنف جزء من طبيعة الإنسان التي لا يمكن إنكارها. إسباغ صفة العنف على جميع الرجال تنطوي على تعميم مجحف بالتأكيد، وبذات الوقت لا يمكننا تبرير تحول امرأة إلى قاتلة بحجة الدفاع عن نفسها، حتى وإن كانت تعاني من طفولة وزواج معقدين يبقى انجراراها لارتكاب الجرائم أمر شديد الحساسية وينطوي على دوافع غير منطقية وبحاجة لدراسة، ولكن ذلك يضعنا أمام تساؤل شديد الأهمية لماذا قد نلوم امرأة تقتل رجالا معنفين ولا نلوم هؤلاء الرجال أنفسهم لقتلهم النساء واعتدائهم عليهم، والإجابة على جميع التساؤلات تتلخص في أهمية وجود قانون يحمي هذه النسوة مما قد يتعرضن له، ويقف رادعا أمام الرجال المعنفين، فالصدمات النفسية والرضوض التي قد تتشكل لدى النساء من شدة التعنيف تؤدي بشكل أو بآخر إلى جعلهن عنيفات إن لم يكن على أزواجهن فبالتأكيد على أطفالهن والوسط المحيط وحسب المعالج النفسي حسين محمد.
ويتابع خلال حديثه لـ”الحل نت”، بأن “أقل ما يمكن أن يسببه العنف هو الاستجابة المرضية لأحداث الحياة، فالمرأة المعنَّفة تتحول إلى شخص مختلف تحت تأثير التعنيف بسبب تحولها إلى شخص خاضع للعنف، وهنا تختلف السلوكيات التي تواجه بها الحياة والحالة الإدراكية لديها، فالإساءة المتكررة تسبب لها فقدان القيمة الذاتية، وينتج عن ذلك حالة من العجز المكتسب وفقدان الأمل وصعوبة مواجهة المشكلات بالإضافة إلى يقين بعدم قدرتها على مواجهة العنف الذي يمارس عليها”.
ما ينقص تلك المعالجة هو الحلول فالدراما وظيفتها الفنية تجعلها معنية بسرد حياة الأبطال ومعاناتهم، دون الولوج إلى إمكانية الحلول أو طرح القضية ضمن قالب إشكالي يجعل المشاهد يفكر بالحل لهذه المشكلة، فتبدو قصص ومعاناة النساء مثلا وكأنها قدرية يشاهدها المتفرج دون أن يفكر بأنه من الممكن أن تكون غير ذلك وتبقى مشاعره ضمن إطار التعاطف أو اللوم، عن أهمية طرح قضايا النساء في الدراما التلفزيونية ومدى تأثير ذلك على النساء والمجتمع، وفق رأي الناقد الدرامي أمجد الصافي.
ويضيف الصافي خلال حديث لـ”الحل نت”، “من الضروري تناول القضايا المجتمعية في الدراما وإيضاح الواقع كما هو دون تجميل، وهذا يتطلب جهدا متكاملا من صناع العمل ومهنية عالية وابتعاداً عن التعامل مع الفن كتجارة، فكاتب العمل يجب أن يمتلك مقولة واضحة وهادفة يقولها من خلال كتاباته، وعلى الرغم من أن المسلسلات الدرامية هدفها الأساسي هو الترفيه وتتم متابعتها لهذا السبب، إلا أن لها تأثيرا قويا في ما تطرحه دون وعي من المشاهد لذلك التأثير، ومن هنا يتوجب على الدراما معالجة قضية مثل قضية المرأة بدقة دون مبالغة أو الذهاب لحلول عنيفة تبررها قساوة ما تعاني منه النساء”.