syria press_ أنباء سوريا
أنهت ميساء درباس حياتها بعد أن فقدت قدرتها على تحمّل تعنيف زوجها وابتزازه لها بأولادها، فكانت 3 حبات من الغاز (مادة سامة) كفيلة بإنهاء معاناتها إلى الأبد.
تزوجت المعلمة ميساء من ابن عمها أحمد درباس ورزقت منه بثلاث أولاد ريناد وإبراهيم وخالد، أكبرهم 6 وأصغرهم 3 سنوات. عاشت ميساء حياة مأساوية مع زوجها الذي كان يكرر ضربه، وتعنيفه لها لأي سبب وتحت أي ظرف.
نزحت ميساء من قرية الركايا بريف إدلب الجنوبي باتجاه مخيمات أطمة الحدودية مع عائلتها باحثة عن الأمان من آلة الحرب التي أتت على البشر والحجر في قريتها لكنها لم تسلم من أذى زوجها لها، الذي لم يكن أقل وطأة من قسوة الحرب.
بحسب مريم صديقة ميساء فإن الأخيرة تعرضت للضرب مرات ومرات حتى أنها كادت تفقد حياتها في إحدى المرات حين ضربها زوجها بآلة حديدية على ظهرها، وتؤكد مريم أنه وعند آخر مشكلة مع زوجها جرّدها من أولادها، وطردها من المنزل فقصدت بيت أهلها الذين لا حول لهم ولا قوة للدفاع عنها بحكم صلة القرابة بين العائلتين.
حاولت ميساء مراراً استعطاف زوجها للسماح لها بأخذ الأولاد لكنه كان يرفض، فما كان منها بعد يأسها وألمها من فقدان أولادها إلا أن قررت وضع حد لمعاناتها مفضلة الانتحار.
ميساء واحدة من مئات الحالات من النساء اللواتي يتعرضن للعنف بشكل مستمر، وإن كان مصير ميساء الأقسى والأكثر إيلاماً، وغالباً ما يعتبر المجتمع السوري أن التعنيف الأسري هو شأن عائلي غير آبهين بوجود قضية تحوي مجرم وضحية لايجب التجاهل عنها، وبدل محاسبة المجرم على جريمته يتم التستر عليه والتبرير له والتشكيك بالضحية ولومها وتقريعها.
العنف ضد النساء
العنف الأسري ظاهرة اجتماعية سلبية قديمة في سوريا، لكنها زادت وتيرتها مع زيادة الضغوط النفسية نتيجة الحرب وما رافقها من نزوح وغلاء وفقر مدقع.
تقول روعة الحلو، وهي نازحة تقيم في مخيمات قاح أن زوجها بعد فقدانه لعمله بعد تهدّم محله التجاري، وخسارته لأرزاقه بفعل القصف ونزوحه أصبح مزاجياً، وعنيفاً، وهو يضربها باستمرار لكنها لا ترغب بتركه والطلاق منه حفاظاً على أسرتها من التشتت، حتى أهلها دائماً ما ينصحونها بالصبر” فكل الرجال تغضب وتضرب” مشيرة إلى أن العنف الذي تتعرض له أفضل برأيها من كلمة مطلقة، ومن خسارتها لأبنائها الذين ستحرم منهم إن هي حاولت التفريق عن زوجها ”مجتمعنا لا يرحم ولا قانون يحمينا مما نحن فيه، ويبقى شيئاً خيراً من شيءٍ آخر” في إشارة منها لتقبّل الأمر مرغمة.
لرائدة العمر رأي آخر فهي لاتحتمل التعنيف، وخاصة وأن الزوج في حال وجد أن زوجته لم تستطع فعل شيء بعد تعرضها للتعنيف منه فإنه في المرات القادمة سوف يزيد من حدة التعنيف، وقد يكون تعنيفه مؤذٍ جسدياً ونفسياً، لذا فهي لجأت لأهلها الذين دافعوا عنها مهددين له بطلاقها، وتزويجها إن تكرر الأمر ” وهو ما ردعه بالفعل” وفق تعبيرها.
أسباب عديدة تؤدّي للعنف الأسري تتحدث عنها المرشدة الاجتماعية فاديا محلول قائلة بأن أكثر ضحايا العنف الأسري هم النساء والأطفال، قد يكون منشأ العنف الأسري في بعض الحالات دوافع اجتماعية منشؤها العادات والتقاليد المتوارثة عن الآباء والأجداد، وبعضها دوافع اقتصادية نتيجة تدهور الوضع الاقتصادي الناتج عن فقدان وظيفة أو تراكم ديون فيتبدل سلوك الفرد المعنف نتيجة الضغوطات النفسية وخاصة فترات النزوح وارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة والتي ماتزال نتائجها تتفاقم مع استمرار معاناة السوريين مع الحرب.
وتضيف بأن هنالك أيضاً دوافع ذاتية لدى بعض الأشخاص نتيجة الشعور بالنقص أو الإفراط في تناول الكحول وتعاطي المخدرات، وقد يعود العنف لأسباب صحية ونفسية.
وعن الآثار المترتبة عن العنف الأسري أوضحت المحلول أن الأشخاص المعنِّفين يتصفون بسرعة الغضب والسلوك الهجومي العدواني، ومن الممكن أن تكون الآثار بعيدة الأمد تؤدي مع مرور الأيام لضعف الثقة بالذات، وحصول مشاكل كالاكتئاب والقلق واضطرابات النوم، كما ويؤدي العنف الجسدي لجروح وكدمات، وأسوأ من ذلك كله أنه يؤدي إلى التفكك الأسري الذي يؤدي للطلاق.
وتدعو المحلول لتخفيف وطأة العنف الأسري بمزيد من برامج التوعية التي تبين خطر العنف الأسري على الفرد والمجتمع ومعرفة الوقاية القانونية بمعرفة القوانين والتشريعات المتعلقة بحماية الأسرة، وتأمين سبل الوقاية الإجرائية من خلال معرفة طرق الوصول إلى خدمات الحماية بعد التعرض للعنف وطرق الابلاغ الصحيح.
لم تقتصر نتائج العنف الأسري على المرأة فقط، وإنما على الأطفال أيضاً، وهم أكثر عرضة لمشاكل نفسية طويلة الأمد تؤثر على الصحة النفسية ما يؤثر على مستقبلهم المهني. وفي الغالب سيمارسون العنف مع أفراد أسرهم حين يكبرون وكأنه أمر اعتيادي.
المحامي وائل المحمود ينتقد عدم وجود نص قانوني صريح يحدّد، ويعرّف، ويصنّف التدابير الواجبة في حالات العنف الأسري الذي يرتكبه الزوج ضد الزوجة، ومازال هناك صعوبة برصد حالات العنف الأسري في إطار الأسرة في كثير من الأحيان بسبب سياسة التكتم على الأمر يضاف إلى كل ذلك قلة عدد المراكز المتخصصة بمعالجة النساء ضحايا العنف الأسري.
داخل منفى المخيمات الحدودية وبين جدران المنازل المهدمة تعيش سوريات واقعاً مريراً حرمهن الشعور بالأمان بعد أن مارس عليهن أزواجهن حرباً من نوع آخر توجب عليهن التأقلم معها، والرضوخ لها حفاظاً على ما تبقَّى لهن من عوائلهن وحياتهن الأسرية.
هاديا منصور _ مجلة صور