العنف الأسري يحرم لاجئات سوريات تعديل الشهادة والعمل في تركيا

حقيبة ملابس وطفلة بعمر الثلاثة شهور، مع أوراق رسمية، هي كل ما كان بحوزتي عندما عبرت الحدود السورية إلى تركيا، التخطيط لمستقبل جديد واعد، كان أيضاً آخر ما خططت له خلف سياج شائك وسط أفكار تراودني حول اجتيازه وطفلتي بأمان، يقاطع سلسلة أفكاري صوت المهرب مهدداً “ارموا كل شي معكم أغراض”.

“المفاضلة ما بين أوراق جامعتي وشهادتي الثانوية كانت أهم بالنسبة لي من ملحقات الثياب الخاصة بطفلتي الصغيرة، فهي طوق النجاة الوحيد لي في بلاد الاغتراب كما كنت أعتقد، سنوات وساعات من التعب والجهد كي أحصل عليها، اتخذت قراراً بتعديل شهادتي والتسجيل في إحدى جامعات تركيا”، ( تقول هيا لـ روزنة وهي كانت إحدى طالبات جامعة دمشق فرع علوم سياسية).

وتضيف: “حماسي لم يستمر كثيراً، نتيجة عدم معرفتي بإجراءات تعديل الشهادة في تركيا، ولم أجد من ألجأ إليه سوى زوجي الذي تلقيت منه وعوداً كثيرة بالمساعدة انتهت بتعنيف جسدي”.

كشف هذا التحقيق عن إغفال المنظمات الداعمة لحقوق الإنسان، توفير بوابات مساعدة في مجال تعديل الشهادات، والتي يمكن أن تضمن للنساء فرص عمل، تشكل طوق نجاة لأولئك السيدات من العنف المنزلي.

ونستعرض في التحقيق تجارب حقيقية، لمعاناة الكثير من اللاجئات السوريات في تركيا نتيجة الحرمان من العمل، بسبب العنف الأسري الذي يمارس ضدهن، عند الوصول إلى بلدان اللجوء، وخصوصاً في مرحلة تعديل الشهادات، نتيجة عدم إلمام الكثير من السيدات بالشروط والإجراءات اللازمة لتعديلها.

نساء حُرمن حقهن في الدراسة والعمل

وفاء، 28 عاماً، حاصلة على شهادة معلم صف، من كلية التربية في جامعة حلب، تعرضت لضغوط كبيرة من عائلتها، تقول: “رفضوا أن أعدل شهادتي الجامعية وأحصل على فرصة عمل، خوفاً من دخولي بيئة جديدة لا تتناسب مع البيئة التي نشأت فيها”.

 تتابع وفاء: “لم أجد من يرشدني إلى وجهة تساعدني في تعديل شهادتي الجامعية لتكون بوابة للحصول على فرصة عمل، شعرت حينها بالعجز مما اضطرني للرضوخ لقرار عائلتي والزواج والسفر إلى ألمانيا.. لم يكن قراري ملكي”.

وتنص المادة 23 من الميثاق الدولي لحقوق الإنسان على أن، لكلِّ شخص حقُّ العمل، وفي حرِّية اختيار عمله، وفي شروط عمل عادلة ومُرضية، وفي الحماية من البطالة.

 كما أكدت المادة الحقوقية أن لجميع الأفراد، دون أيِّ تمييز، الحقُّ في أجٍر متساوٍ على العمل المتساوي. وحقٌّ في مكافأة عادلة ومُرضية تكفل له ولأسرته عيشةً لائقةً بالكرامة البشرية.

القرار لم يكن ملك هيا أيضاً، كل حوار مع زوجها عن مكان وكيفية تعديل شهادتها الثانوية ينتهي بتعنيف جسدي ولفظي، تقول هيا بحسرة: “كل محاولاتي في تغيير واقعي باءت بالفشل، كان زوجي يرفض بشدة فكرة تعديل شهادتي وعملي خارج المنزل، بحجة مسؤوليتي تجاه أطفالي”.

تُلقي المجتمعات الأبوية مسؤولية تربية الأطفال والأعمال المنزلية على عاتق النساء، وهو ما يعتبر أحد أشكال التمييز ضد المرأة، رسخته العادات والتقاليد الموروثة وبعض المفاهيم الدينية المغلوطة، وحرمت النساء حق التعلم والعمل والاستقلال المادي”، تقول الناشطة النسوية والاستشارية الاقتصادية، ثريا حجازي.

اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو”، عرفت المادة الأولى منها، التمييز ضد المرأة أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد، يتم على أساس الجنس ويكون من آثاره أو أغراضه النيل من الاعتراف للمرأة، على أساس تساوي الرجل والمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية، أو في أي ميدان آخر أو إبطال الاعتراف للمرأة بهذه الحقوق، أو تمتعها بها، وممارستها لها بغض النظر عن حالتها الزوجية.

طرحت روزنة استبياناً شاركت به أكثر من 50 سيدة سورية تعيش في تركيا، بما يخص تعديل الشهادات الثانوية والجامعية، وصلت نسبة الفتيات اللواتي واجهن صعوبة في تعديل شهاداتهن إلى نحو 74 بالمئة.

ويبين الاستطلاع أن نحو واحدة من كل تسع سيدات يرفض أزواجهن تعديل شهادتهنّ الدراسية.

هل تقدم المنظمات أي مبادرة في مجال تعديل الشهادات؟

رويدة، 35 عاماً، إحدى خريجات كلية التربية بجامعة دمشق، واجهت صعوبة في الحصول على شهادتها الجامعية من دمشق، بالإضافة لبعض الأوراق المطلوبة التي يجب ارفاقها ضمن ملف التعديل، بسبب التكلفة وعدم معرفة آلية تعديل الشهادات.

يعاني الكثير من الطلاب والطالبات السوريين في تركيا من صعوبة إحضار الأوراق الرسمية من داخل مناطق سيطرة النظام السوري.

ذكية سليمان أوغلو عباس، وهي المديرة التنفيذية لمكتب استشارات وترجمة في غازي عنتاب، تحدّثت عن صعوبة إحضار الشهادة الكرتونية من مناطق النظام السوري، وقالت: “إن تكلفة إحضار الشهادة من دمشق قد تصل إلى 300 دولار أميركي وهي تعتبر كلفة عالية مقارنة بمستوى معيشة معظم اللاجئين السوريين في تركيا”.

تواصلت روزنة، مع عدد من منظمات المجتمع المدني في غازي عنتاب، وأفادت جميعها بعدم وجود أي خدمات دعم أو استشارة في مجال تعديل الشهادات لـ اللاجئات في تركيا.

ملهم حلاق مدير البرامج في منظمة بوصلة في غازي عنتاب، أكد لروزنة عدم وجود مبادرات من هذا النوع.

وبيّن حلاق أن عملية تعديل الشهادات في البداية كانت في غاية السهولة، لذلك لم يلقَ اهتماماً من المنظمات، ولكن تعقيد الإجراءات من قبل الحكومة التركية، زاد من صعوبة الأمر على الراغبين في إكمال دراستهم في الجامعات التركية.

المديرة التنفيذية لجمعية التنمية البشرية والاجتماعية التركية، بينار صادق أوغلو، أشارت في حديثها أيضاً إلى عدم تقديم المنظمة أي استشارات بما يخص تعديل الشهادات للمستفيدات من خدمات المنظمة من نساء سوريات، بخاصة أن المنظمة تعمل على تمكين اللاجئات غير المتعلمات بشكل أكبر.

وذكرت وزارة التربية الوطنية التركية، أن عدد الطلاب السوريين الذين يدرسون في الجامعات في العام الدراسي 2021-2022 بلغ 48192 طالباً وطالبة.

عدم المعرفة بآلية التعديل روتين قاتل!

رويدة بعد وصولها إلى تركيا، لم تتمكن من تعديل شهادتها الثانوية أو الجامعية، بسبب عدم كفاية معلوماتها عن إجراءات التعديل والأوراق المطلوبة .

وبحسب القانون الصادر عن مؤسسة التعليم العالي التركية رقم 2547، فإنه من خلال تعديل الشهادة الجامعية في تركيا للأجانب يتم الاعتراف بالشهادة الجامعية لكافة مستويات التعليم (بكالوريوس، ماجستير، دكتوراه)، فمعادلة الشهادة تخول صاحبها العمل باختصاصه، وتصبح فرصة حاملها بالحصول على عمل كمن يحمل شهادة صادرة من الجامعات التركية تماماً.

وتُطلب الشهادة المعدّلة في حال كان المتقدّم أجنبياً من قبل أي شركة أو منظمة أو جهة حكومية يُراد التقدم للعمل بها من خارج تركيا.

معادلة الشهادة في تركيا أو كما تسمى باللغة التركية denklik تتم في مؤسسة التعليم العالي التركية في أنقرة، وفق إجراءات للشهادات الجامعية والثانوية .

وبعد ذلك يخضع المتقدم للتعديل لامتحان شامل باختصاصه، وهو امتحان يقام مرتين بالسنة في العاصمة أنقرة، ويحصل على ورقة المعادلة.

وبالنسبة للسوريين، تتطلب إجراءات تعديل الشهادة الثانوية السورية تصديقها من قبل مركز خدمة المواطن التابع لـ”الحكومة السورية المؤقتة” في ولاية غازي عنتاب، جنوبي تركيا.

صعوبات ولكن!

عن صعوبات تعديل الشهادة الثانوية، تحدث بعض الطلاب والطالبات لروزنة عن معاناتهم مما وصفوه بالـ “الروتين القاتل في مكتب الحكومة السورية المؤقتة في غازي عنتاب، فضلاً عن صعوبات حجز الموعد ومزاجية بعض الموظفين”، على حد قولهم.

هذا ما أكدته صفاء، 30 سنة، في حديث لـ روزنة ” كأني بإحدى الدوائر الحكومية بسوريا”، بهذه الجملة وصفت ما يجري في مكتب الحكومة لاستلام وتعديل الشهادات الثانوية.

“شباب وصبايا جالسون على الأرض أمام مكتب الحكومة دون استجابة لطلباتهم، وبعد طول انتظار خرجت إحدى الموظفات وصرخت قائلة: “لم يبدأ الدوام”، علماً أن وقت تواجدنا تزامن مع أوقات الدوام المصرح عنها بورقة على باب المكتب”.

وتضيف: “عم يتعاملوا مع الناس بطريقة بشعة وفي كتير ناس رجعت وما عد بدا لا تاخد الشهادة ولا تعدلها”.

وأحدثت “الحكومة السورية المؤقتة مركز خدمة المواطن في مدينة غازي عنتاب جنوبي تركيا في آب 2016، ليقدم الخدمات للسوريين الموجودين في كل الولايات التركية، بقصد تسهيل الأوضاع وخاصة للطلاب السوريين”.

و بما يخص إجراءات تصديق الشهادة الثانوية، أوضح طراد الشهاب مدير المركز لـ روزنة أنه على الطالب تحضير الأوراق المطلوبة ووضعها في ظرف وتقديمها إلى مركزنا في غازي عنتاب. 

وأوضح أنه يمكن للشخص نفسه مراجعة المركز لتصديق الشهادة أو عن طريق قريب له مثل الزوج، الزوجة أو الأب، الابن، الابنة، القريب، أو شخص يحمل نفس الكنية، و يمكن أيضاً تقديم الأوراق بموجب وكالة رسمية، أو إرسال الوثائق عبر البريد عن طريق أي شركة شحن على عنوان المركز.

أما عن صعوبات تعديل الشهادة الجامعية أوضح مدير مكتب لتعديل الشهادات الجامعية في أنقرة، محمود الهاجري، أن مراحل المعادلة قد تستغرق وقتاً طويلاً، بخاصة بوجود بعض الأخطاء التي يقع فيها صاحب الطلب.

ونصح الهاجري بتقديم جميع الوثائق بشكل كامل دون نقص، لتجنب الوقوع في مشكلة الاعتراض على قرار وزارة التعليم “اليوك”، والذي يمكن أن يستغرق وقتاً يزيد عن 8 أشهر تقريباً.

وتابع الهاجري: “قد يُطلب من مقدم الطلب تقديم بعض المواد في الجامعة، بسبب نقص إثبات فترة التدريب العملية لبعض الفروع، خصوصاً في حال عدم إرفاق كشف العلامات، والذي يعد مهم جداً وفي حال عدم ارفاقة بالطلب قد تأخذ مرحلة التعديل حوالي 5 سنوات، فضلاً عن خضوع الطالب في هذه الحالة لامتحان آخر لإثبات الهوية العلمية.

وفي سياق الصعوبات، يضيف الهاجري أن مرحلة مراسلة الجامعة التي تخرج منها مقدم الطلب من قبل وزارة التعليم التركية “يوك”، تعد من أطول المراحل، وهنا على الطالب التواصل مع الجامعة بشكل مستمر، فضلاً عن وجود الكثير من الملفات العالقة بسبب عدم وجود رد من قبل بعض الجامعات.

 وقد تستغرق مرحلة مراسلة الجامعة التي تخرج منها مقدم الطلب من قبل وزارة التعليم التركية “اليوك” مدة تتراوح بين شهرين لـ 5 أشهر بسبب نقص في الأوراق المطلوبة، بحسب الهاجري.

وبيّن عضو مجلس إدارة هيئة طلاب سوريا في غازي عنتاب، عبد الرحمن حميدو، أن تعديل المواد تعد معضلة الطلاب والطالبات، بخاصة أنه في بعض التخصصات الجامعية قد يضطر البعض لإعادة امتحانات التعديل خلال فترة قد  تتجاوز عامين.

كما أضاف أن التكلفة المادية للسفر إلى أنقرة للقيام بالتعديل تشكل عائق كبير للطلاب والطالبات، بخاصة مع اشتراط وجود إذن سفر قد يعرض الطالب أو الطالبة في حال عدم الموافقة عليه إلى خطر المخالفة القانونية والمالية.

وعن الخدمات المقدمة من قبل هيئة طلاب سوريا، قال حميدو إن خدمتهم الخاصة بتعديل الشهادات والتسجيل الجامعي، تقتصر على الاستشارة المجانية فقط، عن طريق التواصل مع أعضاء الهيئة إما عبر البريد الإلكتروني الخاص بالهيئة.

التمكين الاقتصادي طوق نجاة من العنف المنزلي

وعن أهمية التمكين الاقتصادي في مواجهة العنف المنزلي ضد النساء، تبيّن الناشطة النسوية ثريا حجازي أن التمكين الاقتصادي لن يكون أداةً لمواجهة العنف ضد النساء، إن لم يرتبط بالوصول إلى سوق العمل.

وتؤكد أن الاستقلال المادي للنساء يعطيها ثقة بالنفس، وشعور أكبر بالأمان أكثر، ويزيد من قدرتها على تحمل المسؤولية.

هل من حلول؟

خلال متابعة التحقيق لم نجد أرقام أو احصاءات  تبين عدد اللاجئات السوريات في تركيا ممن حرمن فرص عمل بسبب عدم تعديل الشهادة الجامعية، وهذا مؤشر على عدم اهتمام المنظمات المعنية بتقديم مبادرات للنساء في مجال تعديل الشهادة.

وفي السياق ذاته، أشار مدير البرامج في منظمة بوصلة أنه من الجيد وجود منظمة لها نشاطات بمجال تعديل الشهادات، وعلى استعداد لتقديم الاستشارات والمساعدة للطلاب والطالبات، في حال تم التمويل لتغطية تكاليف مكاتب الترجمة والمساعدة في تعديل الشهادات.

كما تأمل ذكية سليمان أوغلو عباس، أيضاً بدعم أممي عبر المنظمات لخلق مشاريع في هذا المجال أو تمويل مكاتب الاستشارة لتقديم خدمات الدعم الطلابي والخدمات الاستشارية بما يخص تعديل الشهادات.

وبحسب آخر الإحصائيات الصادرة عن دائرة الهجرة التركية، بلغ عدد اللاجئين السوريين على الأراضي التركية، 3.627.481 لاجئاً سورياً، منهم 46.2 في المئة من النساء.

هبة الخاروف وأسما منير _ روزنة

تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الإنسان.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار

سوريّات في فخ “تطبيقات البث المباشر”..بين دعارة إلكترونية واتجار بالبشر

يستقصي هذا التحقيق تفشي “تطبيقات البث المباشر” داخل سوريا، ووقوع العديد من الفتيات في فخ تلك التطبيقات، ليجدن أنفسهن يمارسن شكلاً من أشكال “الدعارة...

ابتزاز واغتصابٌ وتعذيب.. سوريون محاصرون في مراكز الاحتجاز اللّيبية

يستقصي هذا التحقيق أحوال المحتجزين السوريين في ليبيا خلافاً للقانون الدولي، وانتهاكات حقوق الإنسان داخل مراكز احتجاز المهاجرين، وخاصة تلك التي تتبع “جهاز دعم...

كعكةُ “ماروتا سيتي” بمليارات الدولارات

آلاف الأسر تتسوّل حقّها بـ"السكن البديل" على أبواب "محافظة دمشق" يستقصي التحقيق أحوال سكان منطقة المزة – بساتين الرازي في دمشق، بعد تهجيرهم من بيوتهم...

معاناة اللاجئات السوريات المصابات بمرض السرطان في تركيا

تصطدم مريضات السرطان من اللاجئات السوريات في تركيا بحواجز تمنعهن من تلقي العلاج على الوجه الأمثل، بداية من أوضاعهن الاقتصادية الصعبة والاختلاف في أحقية...

خدمات المساعدة القانونية المجانية للاجئين السوريين في تركيا

غصون أبوالذهب _ syria press_ أنباء سوريا الجهل بالحقوق القانونية للاجئين السوريين في تركيا يقف حجر عثرة أمام ممارسة حقهم بالوصول إلى العدالة، ويمنعهم...
Exit mobile version