أعادت جريمة مقتل الشابة آيات الرفاعي في دمشق، التنبيه لمخاطر تحيط بنساء معنفات في المجتمع السوري، تحكمهن قوانين ناقصة، ونظرة اجتماعية في بعض المجتمعات، أدت لتكميم أفواه كثيرات، من بينهن آيات، التي كشفت معطيات التحقيق الأولية، أنها قاومت التعنيف حتى فقدت حياتها.
وبعد أن خفتت وتيرة الأصوات المطالبة بتعديلات قانونية واجتماعية، من شأنها تأمين حماية النساء من العنف الأسري، ارتفعت اليوم أصوات يعود صداها لعشرات السنين في سورية، تتحدث عن خلل متأصل في المنظومة التشريعية والقانونية وبعض الأعراف ضمن شرائح مجتمعية في البلاد، وسط مطالب بتغييرات “بعيدة المنال”.
آيات الرفاعي (19 عاماً) التي وافتها المنية ليلة رأس السنة، بعد تعرضها لضرب مبرح على يد زوجها ووالدته ووالده، كانت قصتها ستموت معها، كحال كثيرات، لولا أن انكشف ما أراد الجناةُ إخفاءه، وتحولت الواقعة لقضية رأي عام.
وكانت عائلة زوج آيات، قد حاولت التنصل من الجريمة، وإظهار الحادثة على أنها حالة تسمم أو انتحار، وهو ما دُوّنَ بداية في محاضر مشفى “المجتهد”، قبل أن يُعاد النظر بالحادثة عقب شكوك أهل الضحية، والتفاعل الكبير الذي حصدته عبر مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام.
وبحسب ما أعلنت وزارة العدل في حكومة النظام، فقد اتخذ القضاء المختص الإجراء اللازم بحق الجناة، الذين اعترفوا بفعلتهم، فيما أكد الطب الشرعي أن سبب الوفاة يعود لتعرض الشابة لضربات على رأسها وجسدها.
لكن كل ذلك لم يمنع الجدل حول أهلية القانون السوري بحماية المرأة من حوادث مشابهة ومحاربة كافة أشكال العنف ضدها.
غياب المظلة القانونية
تحدث المحامي السوري، غزوان قرنفل، رئيس تجمع “المحامين السوريين الأحرار”، عن عدم وجود قانون خاص أو نصوص قانونية ضمن قانون العقوبات العام في سورية، تخص مسألة العنف الأسري، مع غياب نظرية قانونية من شأنها تجريم هذا الفعل.
وقال قرنفل لـ”السورية نت”، إن قانون العقوبات العام يتعاطى مع نتائج الفعل وأثره لا أكثر، موضحاً أنه إذا أفضى العنف لإيذاء الضحية يمكن محاكمة الفاعل عن جريمة الإيذاء، وتكون العقوبة مرتبطة بحجم وأثر هذا الإيذاء، وهو جنحوي الوصف والعقوبة.
أما إن أفضى الإيذاء لعاهة دائمة يتحول لجريمة جنائية، ويُعاقب الفاعل بموجب ذلك بعقوبة جنائية تبدأ من 3 سنوات وحتى 7 سنوات حبس.
وإن أفضى العنف إلى موت الضحية، كما حدث في قضية آيات الرفاعي، يوصف الفعل كجناية “القتل القصد”، ويعاقب الفاعل بعقوبة تبدأ من 15 سنة حتى الحبس المؤبد.
ويتضح من ذلك أن القانون في سورية لا يتدخل إلا بعد تعرض الضحية لعنف يؤدي إلى عاهة أو إلى الموت، وسط مطالب بسن قوانين تجرم فعل التعنيف الأسري بحد ذاته، حتى وإن لم يفضِ لأي إيذاء.
وكذلك ترى المحامية السورية صباح حلاق، وهي باحثة وناشطة في مجال حقوق المرأة، أن هناك خللاً بالمنظومة التشريعية القانونية في سورية، فيما يخص حماية النساء، يبدأ هذا الخلل من رأس الهرم التشريعي أي الدستور، الذي يخلو من أي مادة تنص على حماية المرأة من جميع أشكال العنف ومن التمييز ضدها، مع غياب آليات الحماية.
وأضافت حلاق في حديثها لـ”السورية نت”، أن هناك مطالب منذ عشرات السنين في سورية، بضرورة وجود قانون لحماية النساء من العنف الأسري والتحرش والإتجار، خاصة في أوقات النزاع المسلح، وتم تقديم مسودة قانون بهذا الخصوص لمجلس الوزراء عام 2007، إلا أنه لم يُبت بأمره إلى اليوم.
وتابعت: “لا تزال نساء في سورية عرضة لكافة أشكال العنف، خاصة القتل بدافع الشرف”.
لماذا تصمت النساء المعنفات؟
مع غياب الحماية القانونية اللازمة للمرأة المعنفة في سورية، تزيد النظرات المجتميعة من سوء الوضع، خاصة في مجتمع تحكمه عادات وأعراف تعيب على المرأة طلاقها أو الحديث عن تعرضها للعنف من قبل زوجها، أو أحد أفراد عائلتها، وتقديم شكوى ضدهم.
وفتحت جريمة مقتل آيات الرفاعي النار على قضايا مرتبطة بهذا الخصوص، وأهمها الزواج في سن المبكر والتسرب من الدراسة وإجبار المرأة على تحمل عنف زوجها تجنباً لطلاقها، وغيرها من القضايا الجدلية في المجتمع.
وهنا تحدثت المحامية صباح حلاق عن عدم وجود مراكز أو مؤسسات في سورية لاستقبال النساء المعنفات، باستثناء مركز واحد وهو “راهبات سيدة المحبة للراعي الصالح” المنتشر في 72 دولة حول العالم، بما فيها سورية ولبنان.
فيما دعا المحامي غزوان قرنفل لوجود مناهج مدرسية تربوية وبرامج توعوية تنبذ ظاهرة العنف الأسري، وتكرس في نفوس الأطفال نفوراً ورفضاً دائماً لها، مضيفاً: “للأسف الكوادر التعليمية غير مؤهلة في البلد، ومناخه العام يتسم بالعنف في كل مناحي الحياة”.
ويتحدث ناشطون عن أثر الضغط الشعبي والإعلامي في حالات العنف الأسري، وهو ما حدث في حادثة مقتل آيات الرفاعي، التي كانت ستمر لولا أن حصدت تفاعلاً عبر مواقع التواصل ووسائل الإعلام، وتحولت لقضية رأي عام، ما يؤكد وجود جرائم كثيرة بهذا الخصوص تم التستر عليها وراحت ضحيتها نساء معنفات.
ومن هنا طالبت المحامية صباح حلاق الإعلام بالتركيز على هذه القضايا، بقولها: “يجب أن يلعب الإعلام دوراً أكبر في فضح هذه الجرائم، ويجب أن يكون هناك قانون حماية للمرأة يشدد العقوبات على من يرتكب أي انتهاك بحقها”.
المصدر: السورية نت