العمالة والأنظمة ورؤساء الغفلة

قبل اندلاع ثورات الربيع العربي، هيمنت السريّة على طبيعة العلاقات السياسية المشبوهة بين الدول، فاختصّت فئة من الكتّاب والمحللين في مجال التمحيص و(البحبشة) على الدوام لبرهنة وتدعيم فرضيات “عمالة” هذا النظام أو تلك الدولة، ومثلها أحزاب أو منظمات أو أفراد، لإسرائيل أو لأمريكا أو لدول صُنّفت ظاهرياً كعدوّة؛ بغية ربط تلك العمالة بأسباب الانتكاسات المتتالية التي تستهدف أمن واستقرار وتطوّر الشعوب والبلاد العربية.

أما اليوم فصرنا نشهد سباق أنظمة ودول، ومواطنين، ليس في الجهر بعلاقتهم المميزة والتاريخية مع إسرائيل فحسب، بل وبأفضلية التطبيع مع الأخيرة وشعبها مقارنة بدول وشعوب عربية مختلفة.

ولا يخلو نظام عربي أو أجنبي عموماً من علاقة مع إسرائيل وحليفتها الكبرى الولايات المتحدة الأمريكية، سواء أكانت العلاقة دبلوماسية أم غير ذلك.

إلا أن الفرق بين نظام وآخر، يكمن في نوع وقيمة المكاسب التي يتحصّل عليها مقابل علاقته مع الدولتين، أو بمعنى أصح: عمالة أنظمة الدول العربية والشرق الأوسط عموماً التي تدّعي مناصبتها العداء.

إذ نجد أنظمةً عميلة حرصت على منح شعوبها ما يكفل لها حياة كريمة داخل بلادها واحتراماً لائقاً خارجها. وبالمقابل نجد أنظمة استغلت جميع ما حصلت عليه “عمالتها” من مكاسب لإحكام قبضتها على الشعوب وقمعها وإفقارها في الداخل والتقليل من احترامها في الخارج، بالتوازي مع ضمان استمرارية حكمها بالحديد والنار.

والأنظمة في المثالين السالفين، غالبيتها، لم تصل إلى سدة الحكم بصورة شرعية وإنما لقاء عمالتها.

الأمثلة كثيرة على عمالة أنظمة دول فاشلة لدول قوية في العالم، كبعض دول أمريكا اللاتينية المرتبطة بالولايات المتحدة الأمريكية وبعضها الآخر المرتبط بروسيا، وكذلك الأمر بالنسبة لدول المنطقة العربية والشرق الأوسط التي تمكّن معظمها من إتقان أدوار (جيمس بوند) الخارقة في العمالة المزدوجة والمثلثة والمربعة، إذ من البديهي أن تجد بعضها عميلة لأمريكا وإسرائيل وروسيا وإيران في آن واحد؛ تحت مسمى “العلاقات الدبلوماسية الناجحة مع مختلف الأطراف، ويسوقونها لشعوبهم العربية بأنها حنكة ودهاء سياسي عالي المستوى وبراغماتية عبقرية يقلّ نظيرها بين الأنظمة العميلة الأخرى.

بالنسبة للحالة السورية التي ينطبق عليها المثال الأخير، فيبدو أن طبيعة العلاقة بين نظام الأسد وإسرائيل قد تكشّفت عقب اندلاع الاحتجاجات الأولى عبر تصريح رامي مخلوف لصحيفة نيويورك تايمز في 11 مايو 2011، الذي قال فيه “إن أمن إسرائيل من أمن سوريا” ويقصد بـ “سوريا” النظام السوري بالطبع/ سوريا الأسد.

وتصريح مخلوف في الحقيقة لم يأت بجديد؛ فالأدلّة العلنية على ارتباط النظام السوري بإسرائيل وحاضنتها أمريكا بدا واضحاً وجليّاً منذ الاجتماع الذي أجرته وزيرة خارجية أمريكا “مادلين أولبرايت” مع بشار الأسد عقب التعزية بوالده في العام 2000، والذي أبلغت من خلاله بشار بأن الأمور تسير كما يرام، وأن الحكومة الإسرائيلية تبدي حزنها الشديد وعزاءها لموت حافظ الأسد، وأنه – بشار – يجب أن يكون على أهبة الاستعداد لإكمال “المسيرة” التي خطّها والده من قبله.

تتالت التصريحات الإسرائيلية المؤيدة لتلك العلاقة خلال سنيّ الثورة السورية، مثال ذلك ما أوردته صحيفة “هآرتس” في مطلع عام 2017 قائلة بأن بشار الأسد “من أكثر الدكتاتوريين العرب المفضّلين لدى إسرائيل” لتضيف أيضاً بأن ” كل واحد في إسرائيل يحب الطغاة العرب، عندما نقول الجميع نعني كلاً من اليهود والعرب، والديكتاتور المفضل لدى الجميع هو الرئيس الأسد، وكما أورث الأسد لنجله النظام القمعي في سوريا، كذلك صنع اليهود والعرب بنقل وتوريث محبتهم من الدكتاتور الأب للطاغية الابن”.

دفع ذلك الموقف الإسرائيلي ببعض الأطراف المحسوبة على المعارضة لعقد لقاءات مع الإسرائيليين طمعاً في كسب ودّهم وطرح أسمائهم كبدلاء عن ذلك الطاغية على ما يبدو. كما راح بعض ممثلي ومناصري الأحزاب والقوى العسكرية الدخيلة على جغرافيا ومكونات سوريا، راحوا يرفعون العلم الإسرائيلي مع أعلامهم في كل حفل أو مؤتمر أو تظاهرة سياسية أو اجتماعية، من منطلق أن تجربتهم “النضالية” التاريخية متطابقة تماماً مع التجربة الإسرائيلية.

أما الطريف في الأمر، فيكمن في ظاهرة المرشحين الجدد لرئاسة سوريا، الذين شكّل بند السلام مع إسرائيل من أوليّات بنود برامجهم الانتخابية، بل وأهمها على الإطلاق.

وبصرف النظر عن مضامين خطاباتهم المثيرة للسخرية والتي لا تخلو من حسّ الدعابة في بعض الأحايين، يبقى السؤال حول ما إذا كانت إسرائيل قد قررت فعلاً استبدال طاغيتها المحبوب أم أن ما يثار هذه الأيام عن انتهاء حقبة الأسد مجرّد فقاعات تطلقها تغريدات إيدي كوهين؟

الكاتب: أحمد طلب الناصر / نينار برس

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار

سوريّات في فخ “تطبيقات البث المباشر”..بين دعارة إلكترونية واتجار بالبشر

يستقصي هذا التحقيق تفشي “تطبيقات البث المباشر” داخل سوريا، ووقوع العديد من الفتيات في فخ تلك التطبيقات، ليجدن أنفسهن يمارسن شكلاً من أشكال “الدعارة...

ابتزاز واغتصابٌ وتعذيب.. سوريون محاصرون في مراكز الاحتجاز اللّيبية

يستقصي هذا التحقيق أحوال المحتجزين السوريين في ليبيا خلافاً للقانون الدولي، وانتهاكات حقوق الإنسان داخل مراكز احتجاز المهاجرين، وخاصة تلك التي تتبع “جهاز دعم...
ماروتا سيتي دمشق

كعكةُ “ماروتا سيتي” بمليارات الدولارات

آلاف الأسر تتسوّل حقّها بـ"السكن البديل" على أبواب "محافظة دمشق" يستقصي التحقيق أحوال سكان منطقة المزة – بساتين الرازي في دمشق، بعد تهجيرهم من بيوتهم...
جمعية الأمل لمكافحة السرطان

معاناة اللاجئات السوريات المصابات بمرض السرطان في تركيا

تصطدم مريضات السرطان من اللاجئات السوريات في تركيا بحواجز تمنعهن من تلقي العلاج على الوجه الأمثل، بداية من أوضاعهن الاقتصادية الصعبة والاختلاف في أحقية...

خدمات المساعدة القانونية المجانية للاجئين السوريين في تركيا

غصون أبوالذهب _ syria press_ أنباء سوريا الجهل بالحقوق القانونية للاجئين السوريين في تركيا يقف حجر عثرة أمام ممارسة حقهم بالوصول إلى العدالة، ويمنعهم...

الأكثر قراءة