تتمنى سيّدات في الشمال السوري، لو أنَّ هناك مختصّاً نفسياً يعالج صدمتهنَّ، فلم يعد التعارف بين النساء والرجال على مواقع التواصل الاجتماعي يقتصر على التسلية أو منفعة ما، بل تحوّل إلى كوارث مجتمعية لا سيّما الانفصال بين الزوجين، ومنها ما تخطّت المألوف ووصلت بإحدى السيّدات إلى المرض والوفاة إثر صدمة عاطفية.
في السنوات القليلة الماضية لوحظ انتشار واسع للعلاقات بين الشباب والبنات، لا سيَّما في التطبيقات التي تدعو إلى المحادثات المباشرة بين الطرفين وتسهيل الدخول في العلاقات، وبحسب مروة السرميني، إحدى المهجّرات من ريف حمص الشمالي إلى منطقة عفرين شمال حلب، فإنَّ الأثر السلبي لتلك الظاهرة كان أكثر وضوحاً في مجتمعاتنا حيث ازداد التعنيف والجرائم بحقّ البنات تحت مسمّى “الشرف” إضافة إلى الاستغلال.
تعنيف وانفصال عن الزوج
حدث لإحدى صديقات “السرميني” أنَّها تعرَّضت للتعنيف الجسدي والنفسي بسبب امرأة أخرى كانت على تواصل مع زوجها، ما تسبّب لها بحالة نفسية هي وأطفالها، لتنتهي تلك المشكلات الزوجية بالانفصال وتدمير الأسرة.
وفي تفاصيل القصة، تعرّف زوجها إلى امرأة عبر تطبيق “فيس بوك” وتطوّرت لعلاقة حبّ بينهما، وطلب من زوجته ألا تعترض وترضى بالأمر، وبدأ يستفزها ثم بات يضربها ويضرب الأطفال (ابنتين وابن)، وتقول تلك السيّدة المهجّرة من حمص: إنَّها “بذلت ما في وسعها وأخبرت أهلها، لتنهي علاقته بتلك المرأة حتى تواصلت معها بنفسها”.
واستدركت: “لكن النتيجة أنَّ حبيبة زوجها الموجودة في ألمانيا اتخذت فرصة لاستفزازها عبر إرسال المحادثات مع زوجها إليها، وبعد مرور نحو عام، لم يأبه الزوج لمصير عائلته فطلّق زوجته وعادت مع أطفالها إلى أهلها في حمص”.
وقصة أخرى ترويها “السرميني” لـ موقع تلفزيون سوريا عن امرأة في عفرين كان زوجها يحبّ فتاة قبل أن يتزوجها، لكن بعد زواجه استأنف علاقته بها رغم أنَّها موجودة في الأردن، ورأت الزوجة بنفسها كيف يكلّمها ويتبادلان صورهما، وكانت تتعرض للضرب من زوجها عندما تسأله عن ذلك.وفي إحدى المرّات ضربها ضرباً مبرّحاً حتى أغمي عليها، وكان الضرب كلّ مرّة يترك آثار ازرقاق على جسمها، كما أنَّه يضرب طفلتيه معها، وفي آخر مرّة ضربها استخدم السلاح لتخويفها عبر إطلاق النار نحو رجليها، وهنا تدخّل أهل الزوجة في الأمر وتم حلّ الخلاف بين الزوجين، ولم يعد يضربها وهي لم تعد تسأله إن تكلّم مع أخرى أم لا، حيث تحاول تجنب الموضوع حرصاً على ابنتيها الصغيرتين.
والمستغرب في هذين المثالين عن تجارب علاقات الإنترنت، أنَّ الرجل يستحيل أن يصل إلى تلك الحبيبة التي يخرب بيته من أجلها، فالأولى في ألمانيا والثانية في الأردن، وتشير “السرميني” إلى أنَّ انتشار تناول المخدرات في المنطقة يُعدُّ سبباً في الانهيار الأخلاقي لدى بعضهم، والأنثى يضيع حقها في هذا المجتمع، لا سيّما المهجّرات اللواتي يعشنَ بعيداً عن عائلاتهنَّ، ما يُضعف المرأة ويجعلها تصمت عن حقها، فالأهل يلعبون دوراً مهماً في مساندتها بحسب وصفها.
علاقة الإنترنت تشابه علاقة الواقع
العلاقة الاجتماعية في عالم الإنترنت تعدُّ واسعةً وشاملةً ومنها الجيّد والسيئ، وبرأي الصحفية رنا توتنجي الموجودة في مدينة عفرين، فإنَّها “مثل العالم الواقعي” يمكن أن تكون علاقة التعارف بين الشباب والصبايا ناجحة، ويمكن أن تفشل بسبب الكذب والخداع من أيّ طرف منهما.
وقالت: “من خلال علاقاتي وتواصلي وجدتُ عدة علاقات كانت مبنية على الكذب وأساسها غير متين، بسبب الغاية من التسلية والترفيه وتضييع الوقت، نتيجة الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة على أغلب الشباب الذين يلجؤون لهذه العلاقات لتفريغ مشاعرهم، وكذلك الأمر مع بعض الفتيات”.
وبحسب “توتنجي” فإنَّ الشباب هم الفئة الأكثر جرأة ببداية التعارف، والفتاة تبني علاقتها مع الشاب على أمل الزواج منه، فهي تريد علاقة جديّة، وتنصدم بزيف وعده لها بالزواج منها، ومنهم من ينكر زواجه الأول وأولاده ليُعرِّف بنفسه أنَّه “أعزب” كخديعة لإيقاع الفتاة في حبّه، وبالمقابل هناك كثير من الحالات “أثبتت نجاح الارتباط” من خلال الهدف السامي للتعرف إلى الفتاة والتواصل مع أهلها لتتم الخطبة والزواج رسمياً.
وتكون النتائج “كارثية” وفق “توتنجي”، بسبب عدم وجود وعيٍ كافٍ عند بعضهم ما يؤدي إلى أمراض نفسية وحالات اكتئاب بعد اكتشاف الكذب من الجانب الآخر إثر إعطائه الثقة الكاملة، وبالتالي “العالم الافتراضي هو مثل العالم الواقعي” علينا اختيار العلاقات بحدود المنطق وعدم فتح المجال الواسع.
ومن القصص حول علاقات الإنترنت العاطفية، أدت بإحدى السيّدات الموجودات في الشمال السوري عندما لم يفِ الشاب الموجود في تركيا بوعده بالزواج منها، إلى مرضها ثم وفاتها وهي بعمر 40 عاماً، وذلك إثر صدمة نفسية، بحسب المسؤولة عن الهيئة النسائية في مركز الكواكبي الحقوقي في تركيا، فاطمة عبد العزيز قرنفل.
وقالت في حديث لـ موقع تلفزيون سوريا: إنَّ “التعارف بينهما كان عبر الإنترنت، والفوارق بينهما كثيرة أولها أنَّه يصغرها بخمس سنوات، وهي من عائلة غنية وخريجة جامعة، وهو لم يكمل تعليمه ويعمل في تصليح الكهرباء، وعندما حان موعد تقدّمه لها رسمياً طلبت من إحدى صديقاتها أن تلتقي به شخصياً، وحصل ذلك حيث لاحظت صديقتها أنَّ هيئته وكلامه يدل على أنَّه لا يناسبها”.
وكان جوابه لصديقتها بأنَّه “يعتبر فترة العامين معها مجرّد تسلية وعليها نسيانه، كما أنَّ أهله منعوه من الزواج من امرأة تكبره سناً، فمجتمعنا معتاد أن تكون الزوجة أصغر من الزوج”.
لكن هذا -وفق “قرنفل”- “وقاحة وجواب غير مقنع” فعندما يعد الشاب الفتاة يجب أن يكون متأكداً من أنَّه سيوفي بوعده، ويبدو أنَّ الشاب “مستهتر وغير آبه بالنتيجة الكارثية التي وصلت إليها السيَّدة التي توفيت إثر صدمة نفسية بسببه”.
ومن الحالات التي اطّلعت عليها “قرنفل” عبر المركز الذي تعمل فيه، امرأة طلب منها الشاب تصوير نفسها عارية وأن ترسم على جسدها مثل طلاسم وفعلاً نفذت ما طلب منها. ومن النساء من وقعت بمثل تلك الحالة، فأدى ذلك إلى انعكاسه سلباً عليها، حيث دأبت على أن تنتقم من الشباب عبر التواصل معهم وإيقاعهم بحبّها ومن ثم ابتزازهم وتهديدهم.
تنصح “السرميني” كلّ فتاة أو سيّدة متزوجة بعدم الوقوع في هذه المشكلات التي قد تسبب كثيراً من المتاعب، وقد يصل الأمر إلى القتل كما حصل في منتصف يونيو/حزيران الماضي، إذ أقدم شاب على قتل ابنة عمه ووالدتها بسبب انتشار صورة للفتاة 22 عاماً على “فيس بوك”، في مخيم ببلدة أطمة شمال محافظة إدلب.
كما تنصحهنَّ باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لكلّ مشروع هادف لبناء مجتمع متماسك، لافتة إلى أنَّ أسوأ شيء لدى المرأة هو “أن تضطر للسكوت عن الشخص الذي أساء إليها بخداعه لها”، لأنَّها لا تجد من تلجأ إليه لمساعدتها ودعمها، والمجتمع يلقي اللوم عليها رغم أنَّها لم تخطئ فقط لكونها أنثى، وهناك نساء يتمنينَ وجود طبيب نفسي أو مركز للدعم النفسي في المنطقة، فمن تقع في مشكلة من هذا القبيل تعاني كثيراً حتى تستطيع أن تتناسى ما حصل لها.
وبدورها، تنصح “توتنجي” كلّ شاب وشابة أو حتى الرجال والنساء، بأن يراعوا مشاعر الإنسانية وقدسيّة العلاقات، وألا يفسدوها بدناءة تصرفات غير لائقة، وأيضاً على الطرفين أن يكونا واعيين حتى لا يسمحا لأيّ شخص بالتلاعب بمشاعرهما، وألا يعطيا الثقة إلا بعد التأكد من شخصية من يتحدثان معه.
ويعود سبب لجوء الشباب إلى التعرّف إلى البنات عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى نقص عاطفي يعاني منه الشاب فيرغب في ملء الفراغ عبر علاقة على الإنترنت تتطوّر لحبّ بينهما، أو يعود لمرض نفسي يؤدي إلى قيام الشاب بإيذاء البنت وابتزازها وتهديدها إما رغبة بمال أو بعلاقة جنسية، حيث يطلب منها صوراً عارية أو يحدثها عبر الفيديو، وتكون الفتاة قد وثقت به، وهنا يكون وعدها بالزواج أو بعلاقة حبّ، ويبتزها عبر الضغط عليها بإرسال الصور أو المحادثات لذويها بحسب “قرنفل”.
وتشير إلى أنَّه من أكبر الأخطاء في المجتمع أنَّ البنت تربّت على الخوف من أهلها ومجتمعها، فهي لا تتجرّأ على البوح عن مشكلاتها النفسية أو العاطفية لأمها وأبيها أو أختها وأخيها، وذلك لما ستلقاه من توبيخ وربّما ضرب أو منع من الخروج من المنزل، لذلك تجد الفتاة في ذلك الشاب الذي يدلّلها ويسمعها أجمل العبارات ملاذاً وبيتاً لأسرارها، وهي لا تعلم ما يُكنه لها من خبث وكذب وخداع فتنجرّ وراء ترّهاته وأوهامه التي تزول عندما تطلب منه فعلاً حقيقياً.
لذا فإنَّ “إدراك الخطأ وتداركه خيرٌ من التمادي فيه”، وتنصح “قرنفل” الفتاة بألا تنصاع ولا تستجيب لهذا الضغط وذلك الابتزاز، وأن تسارع لإحاطة أهلها بهذا الوضع، وتردّ على الفاعل “الوضيع” بأنَّها ستلجأ إلى القضاء لحمايتها وإنصافها، وعليها ألا تستسلم لسلطان الخوف من “الفضيحة” ولا تخضع لوضاعة ابتزازه، فمواجهته بقوة وبأنَّه سيخضع لمساءلة قانونية ينتج عنها غرامة مالية أو السجن، وينزع السلاح من يده ويجعله بلا قيمة ويجبره على التراجع، فالقضاء يعاقبه على ذلك.
عائشة صبري _ تلفزيون سوريا