فتحت الشابة السورية، آيات الرفاعي، “جروح العنف الأسري” من جديد في العاصمة دمشق، بعد وفاتها قبل يومين متأثرة بالضرب الذي تعرضت له من قبل زوجها وعائلته، بحسب ما ذكر المحامي العام الأول، أديب المهايني، لوسائل إعلام محلية.
وأعلن المهايني، الثلاثاء، أنه تم تأكيد الاعتداء على الشابة آيات الرفاعي بحسب نتائج تقرير الطب الشرعي، موضحا لإذاعة “شام إف إم”: “ألقي القبض على من قاموا بالاعتداء، وهم زوجها، عمها، حماتها، واعترفوا بفعلتهم وتم تحويلهم إلى القضاء”.
وبحسب المسؤول في وزارة العدال السورية، فإن أسباب وفاة الشابة آيات تعود إلى تعرضها لعدة ضربات على الرأس من قبل الأشخاص الثلاثة.
وكان مصدر في مشفى “المجتهد” بدمشق قد صرح ليلة رأس السنة بوصول شابة متوفاة، كشفت التحقيقات الأولية وفاتها قبل ساعتين من وصولها إلى المشفى، وفقا لصحيفة “الوطن” شبه الرسمية.
وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي عدة روايات حول مقتل آيات، البالغة من العمر 19 عاما، حيث تحدث البعض عن تعنيفها من قبل زوجها، بينما أفادت روايات أخرى بأنها قامت بصدم رأسها بالجدار.
“قُتلت مرتين”
“آيات” ليست الضحية الأولى لـ”العنف الأسري” في البلاد، بحسب ما تقول ناشطات في حقوق المرأة خلال حديثهن لموقع “الحرة”، لكن تفاصيل وفاتها تبدو مختلفة، بداية في أثناء محاولة “تغيير ملابسات الحادثة”، ومن ثم اتجاه العائلة إلى نشر نعوتها، متضمنة اسم مرتكبي الجريمة.
وتضمنت النعوة التي نشرتها الصفحات المختصة بنشر أخبار الوفيات في دمشق اسم زوجها، إلى جانب اسم والده، وهو ما أثار غضب مستخدمين عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وذكرت مصادر مقربة من الشابة أنه تم التحقيق مع زوج آيات، وهو عسكري في قوات النظام السوري، ثم أفرج عنه بعد إفادة أدلى بها مع أفراد من عائلته، قال فيها إنه غير مسؤول عن مقتلها وأنها هي من ضربت رأسها بالجدار ثم تقيأت ودخلت في نوبة اختلاج.
إلا أن عددا من الأشخاص من محيط الشابة أثاروا القضية، وقالوا إنها تعرضت للضرب المبرح من زوجها وأسرته ليلة رأس السنة، على مسمع الجيران، مؤكدين على وجود خلافات كبيرة بينهما.
وأطلق ناشطون وسما عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعنوان “حق آيات الرفاعي”، تفاعل عبره في الساعات الماضية مئات الناشطين.
وطالب المتفاعلون بأن تطال المحاسبة المسؤولين في مشفى “المجتهد”، بسبب إخفائهم هذه الجريمة في البداية، وحماية زوج الشابة وعائلته، خاصة أن إسعاف آيات تم بعد الوفاة بساعتين رغم أن منزلها يبعد دقائق عن المشفى، ما يستدعي الشك حول سبب التأخير.
من جانبها أشارت مصادر لوسائل إعلام محلية، مقرها، العاصمة دمشق إلى أن “جسد الفتاة عند وصولها إلى المشفى كان عليه زرقة معممة، وعلامات توحي بوفاتها قبل وصولها بحوالي ساعتين”.
وأضافت أيضا أن “تشريح الدماغ بيّن وجود كدمات داخلية قد تعني تعرضها للضرب”.
“لا ملاجئ للمعنفات”
يعتبر العنف ضد المرأة انتهاك لحقوق الإنسان تعاني منه أكثر من 70 بالمئة من النساء في العالم.
ويعد واحدا من انتهاكات حقوق الإنسان الأوسع نطاقا في العالم، لأنه يتخطى الحدود والعرق والثروة والثقافة والجغرافيا، ويحدث في كل مكان في المنزل أو في العمل، في الشوارع أو في المدارس.
وبخصوص سوريا تقول ريما فليحان عضو “اللوبي النسوي السوري” ومسؤولة العلاقات العامة، إن قضايا العنف في البلاد “في تنامي ملحوظ”.
لكنها تضيف لموقع “الحرة”: “لا يوجد أرقام، كون الإحصاء على الأرض شبه مستحيل بالظرف الحالي، بسبب عدم الاهتمام من الجهات المعنية وبسبب تكتم النساء والمجتمع”.
وتشير فليحان: “مع ذلك تعج التقارير الإخبارية بحوادث موثقة. امرأة من كل أربع نساء تتعرض للعنف إن لم يكن أكثر”.
وبينما تتضارب الأسباب التي أفضت إلى استمرار قضايا العنف، التي تتراوح ما بين الإيذاء الجسدي والضرب حتى الموت، تعتبر فليحان أن أبرز الأسباب ترتبط بـ”المجتمع الذكوري الذي ينظر للنساء بدونية، إلى جانب القوانين التمييزية والقصور القانوني عن إيجاد قانون للعنف الأسري”.
وهناك أسباب تتعلق بـ”عدم وجود ملاجئ للمعنفات محمية بالقوانين، وهي عادة تحاذي القوانين التي تناهض العنف الأسري. هذا غير موجود أصلا في المجتمع”.
وجاء في بيان نشرته منظمة “اللوبي النسوي السوري” الثلاثاء: “الشابة آيات الرفاعي تخسر حياتها بسبب ضرب زوجها المبرح لها حتى الموت، ولا يخجل القاتل من أن يتصدر اسمه نعوتها!”.
وأضاف البيان أن الجريمة “يتحمل مسؤوليتها ليس القاتل وحده، بل النظام القضائي والمنظومة القانونية التي ليس فيها قوانين ضد العنف الأسري”.
ماذا يقول القانون؟
المحامي السوري المقيم في دمشق، عارف الشعال يعتقد أن “النيابة العامة ستلاحق الجناة بجريمة القتل قصدا، والمعاقب عليها بالمادة 534 من قانون العقوبات”.
ويقول الشعال لموقع “الحرة”: “المادة تقول: يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة على القتل قصدا في حالة إقدام المجرم على أعمال التعذيب أو الشراسة نحو الأشخاص”.
ورغم ذلك يضيف المحامي السوري: “للمحكمة الكلمة الأخيرة بالموضوع، ومن الممكن حسب ملابسات الواقعة والفعل أن يحاكموا وفق المادة 536 عقوبات، التي تقول إن من تسبب بموت إنسان من غير قصد القتل بالضرب أو بالعنف أو بالشدة أو بأي عمل آخر مقصود يعاقب بالأشغال الشاقة سبع سنوات على الأقل”.
ويوضح الشعال أن جريمة مقتل آيات تصنف ضمن جرائم عنف الأسرة، وهي ظاهرة منتشرة في المجتمع السوري، حيث غالبا ما تتعرض الزوجة للعنف الأسري بشكل مستمر. مشيرا: “لكن هذه الحالة لها وضع غريب غير مألوف وهو مشاركة والدي الزوج بهذا العنف”.
من جهته يؤكد المحامي والقانوني السوري، غزوان قرنفل أنه وحتى الآن “لا يوجد شيء اسمه عنف أسري كجريمة منصوص عنها في قانون العقوبات السورية، ويترتب عليها عقوبة”.
ويقول قرنفل لموقع “الحرة”: “العنف الأسري إذا أفضى إلى إيذاء، يحاكم مرتكب الفعل على جريمة إيذاء، يأخذ العقوبة بحسب درجته. إذا أفضى إلى تعطيل عن العمل أكثر من عشرين يوم فعقوبته تكون مشددة أكثر”.
أما إذا أفضى العنف إلى قتل يصنف إلى قتل قصدا، “إلا إذا ثبت أن هناك ما يخطط له مسبقا فيكون عمدا”.
ويوضح القانوني السوري: “في الغالب يصنف الجرم على أن القتل قصدا. عقوبته تتراوح بين 15 سنة إلى المؤبد”.
ويرتبط تزايد مستوى العنف الأسري في البلاد بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والحالة العامة التي أفرزتها أجواء الحرب، من “تفكك الأسر وزواج القاصرات وارتفاع معدل الجريمة وسهولة الحصول على السلاح، بالإضافة إلى تفكك البنية المجتمعية”.
ومن الضروري، بحسب قرنفل أن “يعمل البرلمان على تشريع قانون خاص متعلق بالعنف الأسري وتجديد العقوبات في هذا المجال، حتى تكون رادعة لموضوع العنف الذي يحصل ضمن الأسر”.
تنميط صورة المرأة
في تقرير لها في نوفمبر 2021 قالت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” إن “النزاع السوري المستمّر منذ أكثر من عشرة أعوام، ترك معاناة ستظلّ آثارها ملازمة للعديد من النساء، وخاصةً الفتيات اليافعات منهن”.
وأضاف التقرير أن النساء “يواجهنَ تحديات معقّدة على نحو متواصل، من شأنها أن تغير مجرى نموهنّ وحياتهنّ إلى الأبد، ولعلّ من أبرز تلك التحديات هو الزواج المبكّر والذي يعتبر ظاهرة قديمة في المجتمعات السورية لكنها أخذت بالازدياد مع تصاعد حدّة ذلك النزاع”.
وتتعرض المرأة لمزيد من التعنيف خارج نطاق الأسرة، وفي الوقت الحالي من قبل المجتمع”.
ويشير التقرير إلى أن “أشكال التعنيف ووسائله تتعدد، بحسب السياقات، فبالإضافة إلى العنف العام الذي تعانيه المرأة من السلطة، بصفتها سلطة دولة مشرّعة ومنفذة للقوانين في حالات السلم، يغدو الأمر أكثر مأساوية في أوقات النزاعات والحروب الأهلية، وما يترتب عليها من دمار وتهجير واعتقالات فتكون النتائج مضاعفةً عن الأوضاع الطبيعية لمجتمع الحرب”.
بدورها توضح الناشطة بحقوق المرأة، ريما فليحان أن المنظمة التي تنتمي إليها “بدأت بحملة لن تتوقف، من أجل رفع الوعي حول كل أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي”.
وتتابع فليحان حديثها عن الأسباب التي تقف وراء تنامي معدلات العنف بقولها إن ذلك يرتبط أيضا “بطبيعة المجتمع الذي يرى في تعنيف النساء حق للرجال من منطق القوامة والوصائية، فضلا عن ظروف الحرب والفوضى، التي رفعت وتيرة العنف”.
ويضاف إلى ذلك “النظام القمعي القائم على العنف، والذي يشجع بدوره على ذلك داخل الأسر”.
وبحسب فليحان: “العنف موجود في المجتمع قبل ذلك بكثير برعاية قانونية واجتماعية. هناك إجحاف كبير بحق النساء
كجزء من الموروث الاجتماعي البشع الذي ينظر للنساء كتابعات”.
وتتحمل وسائل الإعلام مسؤولية تنميط صورة المرأة وتكريس العنف عبر الدراما وعبر تكريس القيم الذكورية بالمجتمع، وبالتالي “القانون والمجتمع والإعلان والنظام وقوى الأمر الواقع. كلهم يتحملون المسؤولية”، بحسب ذات المتحدثة.
ضياء عودة_ الحرة