“جايبتِك خدّامة”؛ هذا ما سمعته سوسن (18 عاماً)، من أم زوجها. ويترافق هذا مع تدخلاتها في حياتها وإجبارها على العمل داخل المنزل، بالإضافة إلى التعنيف الجسدي واللفظي.
تزوجت سوسن*، خلال السنة الماضية، وهي سورية من ريف حمص لجأت إلى لبنان، ولم يدُم زواجها سوى ثلاثة أشهر. ومنذ تركها بيت زوجها، وهي تحاول الطلاق بشكل قانوني، برفقة والدها ومحامية تعمل لدى إحدى الجمعيات.
“المقدّم والمؤخّر، يبلغ كل منهما أربعة ملايين ليرة لبنانية (قرابة مئة وثلاثين دولاراً)، ويريدوننا أن نتنازل عنهما للحصول على الطلاق. لن نقبل”. تقول والدة سوسن.
أمّا سحر* (22 عاماً)، اللاجئة إلى منطقة المرج البقاعية عام 2013، فكانت تطمح إلى متابعة تعليمها لتصبح طبيبةً، ثم تزوجت عام 2018. لم تكمل شهرين من الوفاق مع زوجها، لتبدأ المشكلات العائلية من تدخلات الأهل وبخل الزوج، إلى العنفين الجسدي والجنسي.
أنا متزوجة بالاسم، فزواجي غير مثبت في المحكمة، وابنتي ليست لديها سوى وثيقة ولادة.
تقول سحر لرصيف22: “دام زواجي سنتين، وعشت معه في بيت واحد سنةً ونصف، وما شجعني على الطلاق هو أنني لم أشعر بحنّية منه على ابننا. بعد ولادة ابني ثبّتت الزواج في المحكمة، وطالبت بتثبيت نسبه، لأعود بعد أشهر عبر توكيل محامية وأتطلق في المحكمة بمخالعة رضائية مقابل التنازل عن حقوقي”.
“تعلمت حتى الصف السابع، وفي عمر 13 سنةً تزوجت، ومن هنا بدأت حياتي المرّة”، تقول ريم اللاجئة العشرينية من القلمون والمقيمة في عرسال. زواج ريم لم يخلُ من التعنيف اللفظي والجسدي والمادي والنفسي، ومحاولاتٍ للطلاق باءت بالفشل: “كلما حاولت تركه، يقول والدي ‘اصبري بكرا بيتغير’. توفي والدي وهو لم يتغير”.
سبع سنوات ولم تستطع ريم تثبيت زواجها، فزوجها يرفض المضي في الأمر: “أنا متزوجة بالاسم، فزواجي غير مثبت في المحكمة، وابنتي ليست لديها سوى وثيقة ولادة، والآن بعدما ذهبت إلى منزل أهلي، تقدمت بطلب إثبات الزواج والنسب، وبعدها سأرفع دعوى طلاق”.
“طلاق مبكر”
هذه عيّنة لسيدات عانين من التزويج المبكر والطلاق المبكر في لبنان، والمصطلح الأخير يعني أنّ فترة الزواج لم تدُم طويلاً.
ولا يقتصر الموضوع على السوريات، إذ تعاني السيدة اللبنانية جيهان (30 عاماً)، من مشكلة عدم تثبيت نسب طفلها ذي الست سنوات، فزواجها الذي لم يدُم سوى أربعة أشهر، وكثرة المشكلات مع طليقها، جعلا فكرة تثبيت نسب الطفل من المستحيلات.
تعيش جيهان* وطفلها مع عائلتها في منطقة طرابلس، وقد استحصلت على طلاقها بعد قضية رفعتها ضد زوجها، ولكن حتى اليوم يرفض الطرفان -الأب والأم- تهدئة الأمور وحل المشكلات من أجل طفلهما، والسعي إلى تثبيت نسبه.
وضمن هذا الصدد، يقول المحامي محمد زين العابدين عراجي، لرصيف22: “الفئات الأكثر عرضةً للطلاق هم ممن ما زالوا دون سن الرشد، والتزويج المبكر هو الذي يؤدي إلى الطلاق المبكر. ليست لدينا نسبة توضح عدد الحالات، ونلاحظ عموماً أن أكثر الحالات هي في مجتمع اللجوء السوري”. ويشير تقرير صادر عن منظمة اليونيسف في نهاية العام الفائت، إلى أن “واحدةً من كل خمس فتيات سوريات تتراوح أعمارهن بين 15 و19 سنةً في لبنان، متزوجة”، كما تشير دراسة صادرة عام 2020، إلى أن نسبة الزواج المبكر للفتيات في لبنان تتجاوز 13 في المئة.
وهذا ما تؤكد عليه نور حمشو، مسؤولة الاستقطاب في المشروع القانوني في منظمة سوا، وتقول: “المشكلة في التزويج المبكر، وتلجأ العائلات إليه بسبب الوضعين الاقتصادي والصحي وصعوبة متابعة التعليم. كل هذا يخلق حالة عنف داخل العائلة، ويشكّل ضغطاً على الفتاة، ما يجبرها على أخذ قرارات بالنسبة إليها هي طوق نجاة، ولكن عند الزواج تدخل في دوامة العنف والمشكلات نفسها”.
الفئات الأكثر عرضةً للطلاق هم ممن ما زالوا دون سن الرشد، والتزويج المبكر هو الذي يؤدي إلى الطلاق المبكر. ليست لدينا نسبة توضح عدد الحالات، ونلاحظ عموماً أن أكثر الحالات هي في مجتمع اللجوء السوري.
وتضيف حمشو، لرصيف22: “من أسباب الطلاق المبكر تغيّر الأدوار الاجتماعية، وكان لكورونا أثر كبير في ذلك، إذ أصبحت السيدة العاملة والمعيلة للأسرة والمسؤولية كلها على عاتقها، والزوج يتواجد في المنزل، مما خلق حالةً من التوتر والمشكلات التي أدت إلى الطلاق، بالإضافة إلى الاختلاط الذي حدث بين المجتمعات السورية المختلفة نتيجة اللجوء، وساهم في الزواج من ضمنها، وبسبب عدم التفاهم وتقبل الآخر يحدث الطلاق المبكر”.
معوقات لإثبات الزواج والنسب
عادةً، تتم حالات التزويج المبكر بكتاب شيخ أو حسب المصطلح العامي بـ”كتاب برّاني”، أي خارج الإطار القانوني، ونتيجة الطلاق المبكر تحدث مشكلات في إثبات الزواج والطلاق ونسب الأطفال، لذلك تسعى الجمعيات والمنظمات إلى المساعدة ضمن هذا الإطار.
“من خلال المشروع القانوني مع جمعية ‘سوا’، نعمل على التوعية ورصد المشكلات، التي تبدأ بتثبيت الزواج الذي لا يتم عبر الإطار القانوني، لأسباب منها عدم وجود ثبوتيات مع الأشخاص، والعادات والتقاليد التي لا تولي أهميةً لتثبيت الزواج، إذ يعدّ البعض الأمور القانونية من آخر أولوياتهم، وتتبعها مشكلات تثبيت الطلاق إن حدث، والحصول على ثبوتيات للأطفال”، تقول حمشو.
وتتحمل المرأة العبء الأكبر لنتائج الطلاق المبكر، خاصةً إن كانت تحت سن الـ18: “القاصر ليست لديها أهلية قانونية لتوقيع عقد الزواج، فيجب أن يتواجد معها الأب أو الأخ الكبير أو العم، أو بإمكانها تكليف القاضي ليكون ولي أمرها، وبسبب عدم وجود الأهلية القانونية، بإمكان الزوج أن يخترع أي حجة ليسقط حق زوجته في الأطفال، وإن كانوا في حضانتها، مثل كونها غير كفؤة لتربيتهم”، يقول المحامي عراجي، الذي يعمل مستشاراً قانونياً لعدد من الجمعيات المحلية والأجنبية.
تتحمل المرأة العبء الأكبر لنتائج الطلاق المبكر، خاصةً إن كانت تحت سن الـ18.
ولا تتوقف المعوقات هنا، فبحسب حمشو، “هناك معوقات في سوريا، منها دمار بعض الدوائر الحكومية، مما يعني عدم القدرة على استخراج الثبوتيات الرسمية، وحتى لو تم تثبيت الأوراق في لبنان، هناك صعوبة لتثبيتها في سوريا، إذ يُطلب وجود أحد الزوجين بشكل شخصي. أمّا في لبنان، فهناك تعقيدات في الإجراءات، وهذا يدفع البعض للتهرب من الإجراء القانوني، وبسبب ذلك ينتج أطفال مكتومو القيد، وتتعرض الزوجة لأكثر من زواج وأكثر من طلاق، من دون تثبيت، وقد يضطر أهل الزوج أو الزوجة إلى تثبيت نسب الأطفال، إن وجدوا، على اسم أحدهم”.
خطوات قانونية
يُعدّ وجود الوالد (ولي الأمر)، المسؤول عن القاصر، ضرورياً للمضي في الدعاوى القانونية الخاصة بالزواج والطلاق، ويتحدث المحامي عراجي عن الخطوات الواجب اتّباعها بشكل عام وضمن الحالات المختلفة.
“تُرفع دعوى في المحكمة الشرعية، وأول خطوة هي تقديم طلب إثبات الزواج، ونسب الأطفال في حال وجودهم، بحضور ولي الأمر والفتاة، وبعدها يطلب القاضي أو كاتب المحكمة التحدث مع الزوج. إن كان الزوج متعاوناً تتم الأمور بسهولة، أمّا إذا كان محنّكاً فقد يختفي، وقد يطلب فحص المورثات DNA حتى تثبت الدعوى”، ويشير إلى أنه بإمكان السيدة إثبات الزواج والطلاق في الوقت نفسه، وعند تثبيت الزواج والنسب يصبح بإمكانها المطالبة بنفقة لها وللأولاد.
ويضيف: “بعد مضي شهر على مهلة الاستئناف في المحكمة الشرعية العليا في بيروت، يمكن للسيدة أخذ حكم صالح للتنفيذ، وتحتاج إلى براءة ذمة بأنّها أخذت حقوقها الشرعية، وإلاّ لن يسجَّل الطلاق في السجل المدني، ثم تأخذ وثيقة الطلاق وتصدّقها عند المختار لتنفذها، والأمر يحتاج إلى إقامة سارية المفعول لأحد الزوجين في حال كانا سوريين. بعد تثبيت الطلاق، تذهب الأوراق إلى وزارة الخارجية، والسفارة السورية، ثم تتحول إلى سوريا ويُشطب اسمها عن اسم زوجها. وإن كان اسمها غير موجود في دفتر العائلة، ينتهي الزواج في المحكمة الشرعية من دون تنفيذ الطلاق”.
ولا تختلف الإجراءات القانونية لتثبيت الزواج والطلاق بالنسبة إلى اللبنانيات، مع سهولة استحصالهن على المستندات اللازمة كإخراجات القيد، وعدم حاجتهن كالسوريات إلى وجود إقامة صالحة. ويحتاج طفل اللبنانية إن تجاوز عمره السنة إلى دعوى إثبات نسب لدى قاضي الأحوال الشخصية، مع ضرورة إجراء تحاليل دم للأم والأب لإثبات البنوة.
خدمات وأرقام ساخنة
تقدّم جمعيات ومنظمات عدة في لبنان المساعدة على استحصال الأوراق القانونية اللازمة لإثبات الزواج والطلاق. ومع ارتفاع التكاليف اللازمة لذلك، تصبح الحاجة إلى تدخّلها أكبر.
عادةً، تتم حالات التزويج المبكر بكتاب شيخ أو حسب المصطلح العامي بـ”كتاب برّاني”، أي خارج الإطار القانوني، ونتيجة الطلاق المبكر تحدث مشكلات في إثبات الزواج والطلاق ونسب الأطفال، لذلك تسعى الجمعيات والمنظمات إلى المساعدة ضمن هذا الإطار
ومن ضمن هذه الجمعيات، منظمة “سوا“، التي تقدّم خدمات تسجيل الأوراق، والاستشارات القانونية كي يتمكن الأشخاص من القيام بالإجراءات وحدهم. وبحسب عمر عبد الله، منسّق التدخل في المنظمة، فقد تمت خلال المشروع الأخير زيارة 2،350 خيمةً لتقديم جلسات توعوية، وتثبيت قرابة 125 حالة زواج في المحكمة الشرعية.
وتعمل “سوا”، على 180 مخيماً، وتغطّي بشكل عام البقاع اللبناني في سبع مناطق هي الدلهمية، والفاعور، وبرّ الياس، والمرج، والعمرية، وسعد نايل، والروضة. وبالنسبة إلى الخط الساخن للحماية، فهو: 76895192، أمّا الرقم الخاص بالمشروع القانوني فهو: 71031944.
كذلك، يقدّم “التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني”، خدمات قانونيةً للسيدات اللبنانيات والسوريات للمساعدة في إثبات الزواج والطلاق ونسب الأطفال. وتتواجد الجمعية في بيروت والشمال، والبقاع، والزوق، وقصرنبا، وتغطّي كافة المناطق لتقديم أي دعم قانوني أو نفسي اجتماعي، كما تحوّل السيدات إلى جمعيات أخرى في حال تعذّر تقديم الخدمة، وتأمين مأوى لحماية المعنفات. والخط الساخن للجمعية هو: 71500808.
بدورها تقدّم جمعية “كفى” مقاربةً شاملةً للخدمات الاجتماعية والقانونية والنفسية، ضمن مراكزها في البقاع وبيروت. وتشرح مايا حداد، منسقة الخدمة الاجتماعية في مركز البقاع: “نضع خطة عمل متكاملةً مع السيدة. قانونياً نبدأ العمل معها من استشارة، وقد نصل إلى مرافعة في المحاكم والتوكّل، واجتماعياً نسعى إلى معرفة حاجاتها، إن كانت عملاً، أو مركز إيواء، أو طبيباً شرعياً، ونقدّم علاجاً نفسياً فردياً وجماعياً”. وتتابع: “أما بالنسبة إلى الإجراءات القانونية لتثبيت الزواج، فيتابعها المحامي الخاص بالجمعية، ونحوّل السيدات إلى منظمات تُعنى بالأمر عند الحاجة”، ويتم التواصل مع الجمعية من خلال الخط الساخن: 03018019.
من السهل اليوم أن تقع الفتيات في لبنان، سواء كن سوريات أو لبنانيات، ضحية التقصير في استحصال الأوراق القانونية، التي قد توقعهن في دوامة لا متناهية من المشكلات. هذا التقصير قد تغيب نتائجه على المدى القريب، ولكنه يحمل نتائج وخيمةً على المدى البعيد، وهو ما يبرز أهمية العمل لمعالجته في أسرع وقت.
* أسماء مستعارة بناءً على طلب السيدات.
بشرى الدعاس _ رصيف22