السويد تطور خفي أم مناعة القطيع أم قانون الغاب

يعيش العالم اليوم كارثة حقيقة تهدد الوجود البشري على الأرض تتمثل في فيروس كورونا وتتطلب تكاتف جهود الجميع، الدول والمؤسسات والأفراد الكل مجتمعين، فإما ينجوا الجميع أو يفنوا.

استطاع الفيروس أن يكشف هشاشة الدول وضعف إمكانياتها وكذب ادعاءاتها بالتطور والتقدم .

و تباينت إجراءات و أداء الدول بإدارة الكوارث وسرعة استجابتها وكيفية تعاملها، ما دفع بعض الدول لاتهام الصين بإخفاء المرض مما أدى لانتشاره وتحوله لجائحة فيما اتهم البعض الأخر دولاً مثل اسبانيا وايطاليا وفرنسا وأمريكا بالتباطؤ في إجراءات الحظر، مما سرع كثيراً بانتشار المرض، بينما قررت بريطانيا بداية ما سمي “مناعة القطيع” وقد سمعنا رئيس الوزراء البريطاني يخاطب شعبه بالقول: ودّعوا أحباءكم، وإذ به يكاد يودع محبيه، ثم تراجع تحت ضغط مستشارين أكدوا له بالدراسات إمكانية وفاة قرابة المليون مواطن .

ومع تباين أداء الدول المتقارب شكلاً، المتفاوت وقتاً وزمناً، برزت مملكة السويد متفردة بتعاملها مع الكارثة وحلقت خارج السرب بعيداً عن كل دول العالم برغم الانتقادات الشديدة لها من الدول وقادتها ومن منظمة الصحة العالمية ومعظم الصحف العالمية وحتى من ألف باء إجراءات الوقاية من الأمراض المعدية عالمياً، والتي تعود لمئات السنين والتي تتمثل في حظر – حجر – عزل – تعقيم – تطهير، إلا أنها اختارت المختلف !.

وبالبحث ودراسة واقع السويد نجد أن السويد تعاني من ضعف في قطاعها الطبي يعرفه الجميع، ولا يتمثل بساعات الانتظار الطويلة فقط، أو مواعيد التصوير والتنظير التي قد تأخذ شهوراً، ينسى فيها المريض أحياناً سبب التصوير أو التنظير، بل وبالنقص الحاد في الكادر الطبي وخصوصاً الأطباء، والاكتفاء بالماء والمسكن “الالفيدون” لعلاج الآلام البسيطة وحتى المتوسطة يضاف إلى ذلك عمليات تسريح شريحة واسعة من القطاع الطبي تمت منذ عدة شهور .

أما عن سياسة السويد مع كورونا فلم يتغير شيء وجاءت الإجراءات بطيئة وخجولة وغير مرضية، بحيث لا يوجد أي فحص في المطارات أو حظر أو حجر حتى لو القادم من الصين، وذلك بشهود عيان، كما لا يوجد كاميرات حرارية في السويد والحدود مفتوحة تماما من جهتهم، وليس كما يدعي الإعلام !

لا تعقيم في وسائل النقل والمواصلات ولا حجر صحي، والمطاعم والبارات وأماكن السهر مفتوحة ولا توقيف لأي أنشطة تذكر، فقط تحجيم وتقليل و بشكل فردي من المواطنين وليس بإجراءات حكومية بالاضافة لعدم وجود إجراءات صارمة حيال الحذر والحيطة، حيث شاهدنا بداية الشهر حضور المباريات في الملاعب ثم شاهدنا الآلاف يخرجون للتزلج شمالاً والمرض ينتشر ويتمدد والدعوات لانتظار الأسوأ تستمر.

المشافي لا تستقبل المصابين وتطلب منهم العودة لبيوتهم وحجر أنفسهم “طوعاً” إلا في حالات الاختناق، وأرقام هواتف الطوارئ لا تستجيب إلا نادراً ولا يوجد أي إحصائية حقيقية والأرقام الصادرة عن الإصابات كلها غير دقيقة، بحسب طبيب من احد المشافي، لأن الإحصاء يتم على من يصل لحالة حرجة تستدعي دخوله المشفى، حينها يتم إجراء فحص كورونا له ويدخل ضمن سجل المصابين .

وبالنسبة للسوريين في ظل هذه المعرفة عن واقع الصحة عمدوا لحظر أنفسهم وأخذوا أعلى درجات الحيطة والحذر ضمن المتاح، فهم يدركون أن مناعتهم أكلتها سنوات الثورة والخوف والاعتقال والتهجير، وبدى ذلك في تقرير صادر عن الصحة السويدية يفيد بأن نسبة 12% من الإصابات بين الأجانب في السويد تتوزع على الصوماليين يليهم العراقيين ثم السوريين في المرتبة الأخيرة “أغلبهم من السوريين السريان القدامى وليس المهاجرين الجدد”.

والحكومة السويدية تتحدث تارة عن عدم قدرة الدولة على مواجهة المرض، أو عن بعض النصائح التي تتعلق بغسل اليدين وشرب الماء والالفيدون !

وتارة عن سياسة خاصة بها تدرك نتائجها وعواقبها، فيما يطلب رئيس حكومتها من المواطنين أن يشتروا من المطاعم لدعمهم مع الرجاء بالتباعد الاجتماعي، في حين يطلب عالم الأوبئة من الناس النزول والاستمتاع بشمس الربيع !

وقد حير أسلوب السويد الكثيرين، فمن صحفي أمريكي اعتبر أن السويد متطورة ومؤكد أنها تعرف شيئاً لا يعرفه أحد أو تمتلك عقاراً أو وصفة سحرية حيال كورونا لا يعرفها غيرها، إلى تحليل آخر ذهب إلى أن السويد قامت بدراسة جدوى على ما يبدو، وقارنت بين تكلفة الإنقاذ بمحاربة الكورونا وتكلفة الاستسلام للكورونا، وتبين لها أن تكلفة الاستسلام أقل، مستندين بذلك إلى أن غالبية سكان السويد هم من كبار السن ومعمرين ويعيش الفرد بعد تقاعده ما يقارب 30 عاماً، وبذلك تكون تكلفة الفرد منهم على الحكومة ما يقارب الـ 11 ألف دولار شهرياً، وبحسبة بسيطة يتبين لنا أن تكلفة الاستسلام للكورونا أقل وهو دليل على عدم جدية الحكومة باتخاذ أي إجراءات حقيقة .

فيما تطرف فريق أخر بفرضية أن السويد لا تتبع نظرية مناعة القطيع لأنها أثبتت طبياً فشلها فبعض المتعافين أصيب ثانية بالفيروس، بل تتبع سياسة الغاب بمعنى “البقاء للأقوى” والسليم والمعافى، يعني أن يعم الوباء وننتخب من يستحق أن يحظى بالعلاج حتى اللحظة الأخيرة، يعني “كل من يعانون من مشاكل صحية وهم فوق ال٧٠ سنة قد لا يأخذون فرصة كاملة للعلاج” والسويد تحديداً تنظر إلى كورونا كفرصة ذهبية لتجديد شبابها والتخلص من أحمال ثقيلة على نظام الرعاية الصحية مضحية بمن قدم شبابه لهذا كما يرون .

وبين مؤيد ومعارض للإجراءات تبقى أرواح المواطنين على المحك ويبقى الرهان أمر كارثي .

وهنا تبرز أصوات بعض السويديين بالثقة بالحكومة وتدابيرها ثقة عمياء كي نعبر النفق وتمر الجائحة ولسان حالهم يقول: إننا في حافلة تقودها الحكومة وتتجه نحو جبل من الصخر والحكومة تملك كلمة السر افتح يا سمسم ستقولها، ويفتح الجبل، ونمر بسلام، وهو ما نرجوه جميعا ولكن ماذا لو لم يفتح ؟

سيريا بريس_ عبد الناصر كحلوس

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار

سوريّات في فخ “تطبيقات البث المباشر”..بين دعارة إلكترونية واتجار بالبشر

يستقصي هذا التحقيق تفشي “تطبيقات البث المباشر” داخل سوريا، ووقوع العديد من الفتيات في فخ تلك التطبيقات، ليجدن أنفسهن يمارسن شكلاً من أشكال “الدعارة...

ابتزاز واغتصابٌ وتعذيب.. سوريون محاصرون في مراكز الاحتجاز اللّيبية

يستقصي هذا التحقيق أحوال المحتجزين السوريين في ليبيا خلافاً للقانون الدولي، وانتهاكات حقوق الإنسان داخل مراكز احتجاز المهاجرين، وخاصة تلك التي تتبع “جهاز دعم...

كعكةُ “ماروتا سيتي” بمليارات الدولارات

آلاف الأسر تتسوّل حقّها بـ"السكن البديل" على أبواب "محافظة دمشق" يستقصي التحقيق أحوال سكان منطقة المزة – بساتين الرازي في دمشق، بعد تهجيرهم من بيوتهم...

معاناة اللاجئات السوريات المصابات بمرض السرطان في تركيا

تصطدم مريضات السرطان من اللاجئات السوريات في تركيا بحواجز تمنعهن من تلقي العلاج على الوجه الأمثل، بداية من أوضاعهن الاقتصادية الصعبة والاختلاف في أحقية...

خدمات المساعدة القانونية المجانية للاجئين السوريين في تركيا

غصون أبوالذهب _ syria press_ أنباء سوريا الجهل بالحقوق القانونية للاجئين السوريين في تركيا يقف حجر عثرة أمام ممارسة حقهم بالوصول إلى العدالة، ويمنعهم...
Exit mobile version