قرر الاتحاد الأوروبي، الصيف الماضي، تخصيص 560 مليون يورو (639 مليون دولار)، لبرنامج تعليم اللاجئين السوريين في تركيا، والذين يقدّر عددهم بـ3.6 ملايين، بينهم 650 ألف طفل يتعلمون في مدارس تركية، بحسب ما أعلن مساعد وزير التربية التركي ريها دينامتش. واعتبر ناشطون سوريون أن المنحة الأوروبية جاءت منقوصة لسببين، أولهما أن المعلمين السوريين الذين أسسوا مشروع دعم اندماج الطلاب السوريين في نظام تعليم “بيكتس” التركي باتوا خارج المدارس، بعد فصل 12.700 معلم ومعلمة في يوليو/ تموز الماضي، ثم إعادة حوالى 2000 منهم إلى العمل لاحقاً. أما السبب الثاني فيرتبط، بحسب قولهم، بواقع أنّ حصة اللاجئين السوريين من المنحة لن تتجاوز 30 مليون يورو (34.2 مليون دولار).
لكنّ ذلك لا يمنع الناشط السوري خالد الأسعد من وصف دول الاتحاد الأوروبي بأنّها “الأكثر التزاماً بالسوريين، رغم تجاذباتها المستمرة مع تركيا وعدم التزامها باتفاق معالجة تدفق اللاجئين الذي وقعه الجانبان في آذار/ مارس 2016، إذ لم يصل مبلغ 6.4 ملايين يورو (7.3 ملايين دولار)، الذي أقرّه مؤتمر بروكسل في مارس 2021”.
يضيف الأسعد، في حديثه لـ”العربي الجديد”: “يواصل الاتحاد الأوروبي دعم اللاجئين، وإن بشكل منقوص، علماً أنّ النازحين في المخيمات هم الأكثر حاجة إلى مساعدات حالياً، وكذلك أولاد أكثر من مليوني سوري موجودين على الحدود والذين يجب دعم تعليمهم الذي يوفره بعض المتطوعين في خيم تفتقر إلى أدنى شروط التدريس المثالي”.
وكانت مفوضية الاتحاد الأوروبي قد أوضحت في بيان إعلان تقديم المنحة أن 530 مليون يورو منها (604 ملايين دولار)، ستخصص لتعليم اللاجئين عبر دفع أجور المدرسين ومصاريف النقل وتأمين لوازم مدرسية وغيرها، و30 مليون يورو (34.2 مليون دولار)، لتطوير مراكز استقبال اللاجئين ونقل المهاجرين غير النظاميين، في إطار إدارة الهجرة وحماية الحدود.
بعيداً عن المعلمين
ويرى رئيس الهيئة التربوية السورية السابق في تركيا طه الغازي، في حديثه لـ”العربي الجديد”، أنّ “الحصة الأكبر من المنحة مخصصة للتعليم، وهذا أمر مهم، لكنها تستهدف بالدرجة الأولى تسديد أجور المدرّسين، فيما جرى فصل غالبية المدرّسين السوريين، وأبقي على أولئك الأتراك ضمن مشروع بيتكس، الذي أسسه سوريون علّموا التلاميذ في شقق سكنية وقاعات خاصة في عامي 2015 و2016”.
يضيف الغازي: “أطلعنا مسؤولي وزارة التربية مدى الحياة في تركيا ومنظمة الهلال الأحمر ومفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، في لقاءات عدة عقدناها معهم، على معاناة المعلمين السوريين المتطوعين، وطالبناهم بالإجابة عن سؤال حول كيفية إنفاق الأموال المخصصة للتعليم، وحصة المدرّسين السوريين منها، الذين أسسوا مشروع بيتكس قبل أن يصبحوا خارجه اليوم”.
ويعلّق بأنّ “الجميع تنكّر للمعلمين السوريين الذين لن يستفيدوا من المنحة الأوروبية في وقت يعانون فيه من ظروف حياتية صعبة في تركيا دون الحصول على أجور ومساعدات، أو حتى كلمات شكر”.
وتبلغ المعلمون السوريون قرار فصلهم عبر رسائل “واتساب” بعثها، كما تقول المعلمة سهام أصلان، مديرون في مدراس تركية، وأوردت أنّ عقودهم انتهت في 2 يوليو/ تموز الماضي، مع مطالبتهم بعدم الحضور إلى المدارس التي يعملون فيها منذ دمج التلاميذ السوريين في مؤسسات التعليم التركية عام 2017، ومنذ أن تعاقدوا “بصفة متطوعين” مع منظمة الأمم المتحدة للثقافة (يونيسف) ووزارة التربية مدى الحياة في تركيا.
وتوضح أصلان، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنّ المعلمين السوريين تقاضوا راتب شهر يونيو/ حزيران البالغ 2020 ليرة تركية (كان الدولار في يوليو 2021 يعادل نحو 8 ليرات ونصف)، إضافة إلى 2000 ليرة تركية، ضمن مخصصات “مساعدة كورونا” التي سحبوها من خدمة البريد التركي “بي تي تي” خلال فترة شهرين بعد توقيف بطاقاتهم للصراف الآلي.
وكانت مراكز التعليم المؤقتة الـ55 في تركيا التي درّس فيها المعلمون السوريون قد شهدت تقليصاً تدريجياً وصولاً إلى إنهاء تجربتها بالكامل عام 2019، ودمج جميع الطلاب السوريين في المدارس التركية، ما حوّل جميع المعلمين السوريين إليها، حيث شغلوا مناصب مشرفين ومترجمين ومدرسين لمادتي اللغة العربية والتربية الإسلامية بدوام لا يزيد عن 21 ساعة أسبوعياً، قبل فصلهم ثم إعادة حوالى 2000 منهم.
التجاذبات الأوروبية – التركية
وعموماً، تشهد العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي تجاذبات بسبب عدم التزام الاتحاد باتفاق المساعدات ومعالجة تدفق اللاجئين في مقابل تحرير تأشيرة دخول الأتراك إلى دول أوروبا وتسريع ضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، والذي وقعه الجانبان عام 2016، ما دفع أنقرة إلى المطالبة بإعادة النظر فيه.
ونصت بنود الاتفاق على إعادة جميع اللاجئين الجدد الذين يصلون من تركيا إلى الجزر اليونانية بدءاً من 20 مارس/ آذار 2016 إلى تركيا، بهدف وضع حد للرحلات الخطيرة عبر بحر إيجه، والقضاء على عمل المهربين.
ونص الاتفاق على أن تخضع طلبات اللجوء للدراسة في الجزر اليونانية، أما الذين لا يقدمون طلب لجوء أو يتم التثبت من أن طلبهم لا يستند إلى أساس أو لا يمكن قبوله، فتتم إعادتهم إلى تركيا، وأن تتخذ تركيا واليونان التدابير الضرورية في هذا الشأن بمساعدة المفوضية العليا للاجئين والاتحاد الأوروبي، وبينها نشر عناصر أتراك في الجزر اليونانية، وعناصر يونانيين في تركيا، مع تغطية الاتحاد الأوروبي نفقات إعادة اللاجئين.ونص الاتفاق على أن تخضع طلبات اللجوء للدراسة في الجزر اليونانية، أما الذين لا يقدمون طلب لجوء أو يتم التثبت من أن طلبهم لا يستند إلى أساس أو لا يمكن قبوله، فتتم إعادتهم إلى تركيا، وأن تتخذ تركيا واليونان التدابير الضرورية في هذا الشأن بمساعدة المفوضية العليا للاجئين والاتحاد الأوروبي، وبينها نشر عناصر أتراك في الجزر اليونانية، وعناصر يونانيين في تركيا، مع تغطية الاتحاد الأوروبي نفقات إعادة اللاجئين.
وطبق الاتفاق أيضاً مبدأ “واحد مقابل واحد”، الذي يلحظ استقبال الاتحاد الأوروبي سورياً قادماً من تركيا في مقابل كل سوري يُعاد من الجزر اليونانية إلى تركيا، مع إعطاء أولوية للذين لم يحاولوا الوصول بطريقة سرّية.
أيضاً نص الاتفاق على تحرير تأشيرات الدخول لتسريع العمل على خريطة طريق تسمح بإعفاء مواطني تركيا من تأشيرات الدخول إلى أوروبا خلال مهلة أقصاها نهاية يونيو/ حزيران 2016، وتسريع تسديد المساعدة الأوروبية لتركيا لتحسين ظروف معيشة اللاجئين.
وبالنسبة إلى انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، وافق الطرفان على فتح الفصل 33 المتعلق بالمسائل المالية، ومواصلة التحضيرات لتسريع فتح فصول جديدة “من دون إلحاق ضرر بمواقف دول أعضاء”، وذلك في إشارة إلى قبرص، التي تحاول عرقلة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
مآخذ
ويعتبر لاجئون سوريون في تركيا أن المنح الأوروبية لا تشمل احتياجاتهم، خصوصاً أن الدولة التركية لا تلتزم بدفع مبالغ لهم، لأنها تستضيف السوريين وفق قانون “الحماية المؤقتة”، ولا يتلقى إلا جزء صغير من السوريين مساعدات للتدفئة وتوفير مستلزمات محدودة للفقراء وأولئك الذين ما زالوا يعيشون في مخيمات.
ويقول رئيس تجمع المحامين السوريين في تركيا غزوان قرنفل، لـ”العربي الجديد”: “لا شك في أن المنح الأوروبية للاجئين السوريين في تركيا يجب أن توفر دعماً مهماً لتطوير أوضاعهم والارتقاء بها في كل المجالات، ودحض كل مزاعم المعارضة التركية بشأن التأثيرات السلبية المزعومة لوجود اللاجئين في تركيا على أوضاع الاقتصاد المحلي، باعتبار أن الدعم الذي يتلقاه السوريون على الصعد الصحية والتعليمية والخدماتية تغطيه المنح الأوروبية بالدرجة الأولى”.
وأمل قرنفل في “ترشيد إنفاق المنح الأوروبية من أجل إحداث تغيير ملموس وجوهري في أوضاع اللاجئين، عبر إقامة مشاريع لتشغيل جزء من العمّال السوريين، وتغطية نفقات تصاريح العمل الممنوحة لهم لمدة عام على الأقل، ما يشجع أرباب العمل على تشغيل اللاجئين وفق الأصول القانونية. والمنح الأوروبية قد تستخدم أيضاً لخلق فرص لرفد المدارس التركية بكوادر تعليمية سورية مؤهلة جرى الاستغناء عن خدماتها”.
ويلفت قرنفل إلى أنّ “المجتمع التركي يستفيد من المنح أيضاً لأن إدارتها وإنفاقها يتم من خلال كوادر موظفين وعاملين أتراك يتلقون رواتب من هذه المنح، مثل بعض المدرسين والعاملين في الهلال الأحمر ودوائر الهجرة والمراكز الصحية”.
عدنان عبد الرزاق _ العربي الجديد