يستهل حرف الألف تسلسل الحروف الأبجدية في اللغة العربية، أي أنه يعبر عن بداية كل شيء، ولهذا اختارت ميريام ثابت، وهي سورية صاحبة مشروع ريادي متخصصة بصناعة الحلويات والمعجنات، هذا الحرف الذي يعبر عن انطلاقة جديدة ليكون اسماً لمشروعها الصغير الذي أقامته بباريس لصناعة الحلويات، فأصبح اسم مشروعها: بيت ألف.
ولدت ميريام في مدينة حلب، أكبر مدينة بسوريا، لأسرة ناطقة بالفرنسية، وتصف هذه المرأة التي تبلغ من العمر اليوم 45 عاماً المطبخ الحلبي بالمتنوع، ويعود الفضل في ذلك لأثر المطبخ الأرمني والتركي والفارسي عليه.
تتحدث ميريام عن حياتها فتقول: “أنحدر من عائلة لم يمتهن فيها أي شخص صناعة المعجنات، ولكننا جميعاً نعد الطعام ونطهوه، ككل العائلات الحلبية، كما نتحدث دوماً عن طعامنا ومن أين نشتري أفضل المكونات”.
عندما بلغت ميريام العاشرة من عمرها، انتقلت برفقة أسرتها إلى غرب أفريقيا، إلا أن صلتهم بحلب لم تنقطع، إذ ظلوا يزورونها كل صيف طوال عقدين من الزمان.
وبعدما أنهت ميريام دراساتها في مونتريال، عُرضت عليها فرصة عمل في باريس، في مجال يختلف كلياً عن مهنتها الحالية، أي في مجال المال، إذ بقيت تلك مهنتها طوال 12 عاماً من حياتها، وعن ذلك تقول: “لطالما كانت باريس مركز كل شيء، فقد أتيت وعشت هنا وحدي بعد بلوغي سن الرشد، وكان ذلك قراراً شخصياً”، إلا أن الأمر احتاج إلى أن تمهد لأسرتها، كما تطلب دعماً من قبل زوجها الذي صار زميلها في الشركة، حتى تفكر مرة أخرى في المكان الذي اقتادها العمل إليه.
وعن ذلك تقول: “خطر ببالي أن ذلك تزامن مع ولادة ابنتي الأولى، وهذا ما دفعني لأن أسأل نفسي هذا السؤال: ما هو الشيء الذي ترغبين بأن تمضي بقية حياتك وأنت تمارسينه؟” وهكذا شرعت بالدراسة للحصول على شهادة في صناعة المعجنات والحلويات.
بالرغم من أن ميريام تقيم في أكثر مدينة متطلبة في مجال المطبخ الذي تسوده حالة من المنافسة، فإن ذلك لم يثنها عن خوض تلك التجربة، حيث تقول: “لم تكن الفكرة مجرد افتتاح متجر آخر لبيع المعجنات في باريس، لأني كنت أعرف أنه بوسعي أن أخرج بشيء مختلف، لأني أحب المعجنات كثيراً، وأعرف النكهات التي أحبها، كما أني صارمة بالنسبة لجودة المنتجات التي نستخدمها” حيث تنتج ميريام وصفات بنكهات شامية واضحة وبأساليب فرنسية دقيقة.
وأخيراً، افتتحت ميريام Maison Aleph قبل خمس سنوات في حي لوماري الذي يضم خليطاً من الثقافات، وصارت تقدم أطعمة نابضة بالحياة ومبهجة للنظر تضم خلائط مدهشة، إذ هنالك ألواح الشوكولا بالبرتقال والزعتر، والبوظة بنكهة الفانيلا والزعفران، وكعكة الفواكه المعطرة بأزهار البرتقال. إذ إن أحد الأهداف الرئيسية بالنسبة لميريام تقديم معجنات وحلويات صغيرة الحجم وعصرية على طريقة الحلويات الكلاسيكية التقليدية.
تحب ميريام أن تلعب على الكلمات كما تلعب على النكهات، فقد أطلقت على وصفة الألف رقاقة، الألف رقاقة ورقاقة، حيث استلهمت هذا الاسم من الحكايات الشعبية المعروفة في الشرق الأوسط باسم: “ألف ليلة وليلة”، كما أن عينها تلتقط أدق التفاصيل، ولهذا فقد رسمت على علب المعجنات التي تبيعها خطوطاً زرقاء أنيقة، والتي تشير بحسب ما ذكرت إلى الأرضية الهندسية للجامع الكبير بحلب، الذي يعتبر موقعاً للتراث العالمي بما أن تاريخ بنائه يعود للقرن الثامن الميلادي.
تبدأ ميريام يومها في ساعة مبكرة حتى تقدم جميع وصفاتها طازجة كل يوم، حيث تعمل هي وفريقها المؤلف من ثمانية أشخاص في إعداد تلك الوصفات، بيد أن العمل هناك متعب جداً، وعنه تقول: “أظن أن الناس لا يدركون حجم العمل الكبير في مجال المعجنات والحلويات، وذلك لأن بعضهم يخال أن الأمر لا يتعدى تكوين أقراص صغيرة، بالرغم من أن عملنا يستغرق ساعات طويلة، فإن معظم الناس ينظرون إليه ويقولون: إنها مجرد فاكهة مخلوطة مع قشدة وزبدة!”
حقق فوز ميريام بجائزة في مجال صناعة المعجنات والحلويات نجاحاً كبيراً لها على المستوى الاقتصادي وكذلك بالنسبة لمنتقديها، ولهذا قررت أن تفتتح فرعاً آخر لها في شهر كانون الأول من العام الماضي في شارع يرتاده الكثير من الناس بغرض التسوق، ألا وهو شارع ديز آبيس في مونتمارتر، وحول ذلك تحدثنا فتقول: “كان المتجر الأول بمنزلة اختبار وتجربة، إذ لم تكن لدينا أدنى فكرة إن كان ذلك سيعجب الناس أم لا، وذلك لأننا قدمنا شيئاً جديداً، ليس بحلوى شامية ولا فرنسية، بل خليط بينهما، بما أن فكرتنا كانت تدور حول تقديم ما نراه جيداً للباريسيين، إلى جانب تشجيعهم ليتعرفوا إلى نكهات لم يسبق لهم أن تذوقوها أو سمعوا بها”.
المصدر: عرب نيوز
ترجمة: ربى خدام الجامع _ تلفزيون سوريا