تحلم ليال الشواف بإيجاد طريقة تعزل فيها الصوت الذي يخترق خيمتها من الخيام المجاورة، فبكاء أطفال جيرانها يمنعها من النوم طوال الليل، وكثيرًا ما تتكلم مع زوجها وأطفالها عن طريق الهمس خوفًا من تسلل صوتها إلى خيام جيرانها الملاصقة لخيمتها، ما يشكّل حرجًا كبيرًا، خصوصًا في أوقات شجارها مع زوجها، أو خلال لحظاتهم الرومانسية.
“سئمت صخب المخيمات وضجيجها، سئمت كل هذا التقيد في الحركة والصوت، وكأنني مراقبة من كل الموجودين هنا، لم أشعر بالراحة منذ زمن بعيد، يكفي أن يكون المرء جالسًا في خيمته ليعرف كل ما يجري داخل الخيام حوله”، قالت ليال لعنب بلدي.
وأضافت الشابة العشرينية أنها لم تستطع اعتياد هذه الحياة، “فهي أشبه بالسجن الكبير الذي يضع ضوابط لتحركاتنا وتصرفاتنا وحتى أنفاسنا نحن النساء”.
تمنّت الشابة ألا يطول الأمر أكثر من ذلك، لأنها تشعر أن قدرتها النفسية على التحمل شارفت على الانتهاء، وليس أمامها إلا الجنون أو المرض، بحسب تعبيرها، في إشارة منها إلى ما تسببه لها كل تلك الفوضى من ضغوطات ستفضي إلى إصابتها بالأمراض الجسدية والنفسية.
لم تعد الراحة النفسية والهدوء والشعور بالخصوصية متوفرة لدى النساء النازحات في مخيمات إدلب وشمال غربي سوريا، فمنذ لحظة مغادرة منازلهن التي سيطرت عليها قوات النظام السوري، والضجيج يملأ المكان، ولا سبيل لتخفيف الضوضاء المختلفة التي تخترق جدران الخيام القماشية، ما يجعل الحياة في المخيم أكثر تعقيدًا.
أطفال يلعبون هنا وهناك ويتشاجرون، أصوات الرجال والنساء متداخلة تخترق جدران الخيام التالفة لتملأ المكان، ويبدو المشهد في مخيمات شمالي سوريا أبعد ما يكون عن هدوء العيش ورغده، إذ يصعب على المرء أن يجد مكانًا هادئًا يتمتع فيه بممارسة هوايته المحببة، أو حتى فرصة للتأمل بهدوء، بحسب ما قالته نازحات التقت بهن عنب بلدي.
الأطفال لا ينامون
تواجه سعاد الصافي (30 عامًا) صعوبة في تهدئة طفلها البالغ من العمر خمسة أشهر، فالأصوات المستمرة تقلقه وتجعله قليل النوم كثير البكاء والتوتر، فتلجأ للأدوية المنومة في كثير من الأحيان لمساعدته على النوم مدة ساعة متواصلة على الأقل.
وقالت لعنب بلدي، إن “ضوضاء المخيم تؤثر سلبًا على حياتنا، وتحرمنا من الحياة الطبيعية الهادئة، المكان مزدحم، والخيام لا تلجم التأثر بالخارج، ولا حتى تخفيفه”.
وتحدثت الشابة عن انعدام الخصوصية والأسرار داخل المخيم، فهي وبكل بساطة تستطيع معرفة ما يخطط له جيرانها، وما يفعلونه وما يطبخون من طعام وحتى تسمع همساتهم ليلًا.
والأمر ذاته ينطبق عليها، بحسب ما أضافته، وهو ما حرمها السهرات العاطفية مع زوجها، وجعلهما يكتفيان بالنوم باكرًا تفاديًا لأي خرق لما يتبادلانه من أحاديث سرعان ما يفاجآن بوصولها حرفيًا إلى جارتهما فوزية التي لا تتوانى عن إعادة ما دار بينهما من حديث في اليوم التالي، كدليل على معرفتها لكل ما يجري في خيمة جيرانها دون خجل.
تابعت الشابة، “لا يهم البعض أن يسمع شجاره مع زوجته كل من في المخيم، والبعض الآخر يحاول التكتم والتعتيم قدر الإمكان على مشكلاته، والأمر ليس سهلًا بكتا الحالتين، ثمة ما يجعلنا مراقبين ومتوترين طوال الوقت”.
الضجيج سبب للعديد من الأمراض
وعن الأضرار الناجمة عن ضوضاء المخيمات وضجيجها، وانعدام الهدوء والخصوصية، قالت المرشدة الاجتماعية رنيم السلمان (35 عامًا) إن ضوضاء المخيمات تؤثر سلبًا على المقيمين فيه، خصوصًا النساء والأطفال الأكثر وجودًا فيه من الرجال الذين يمكن أن يخرجوا إلى أعمالهم.
وأوضحت المرشدة الاجتماعية، في حديث إلى عنب بلدي، أن استمرار الفوضى والضجيج في حياة النساء يمكن أن يؤدي في كثير من الأحيان إلى الإجهاد، وضعف التركيز، وعدم القدرة على الإنجاز أو التعليم، وصعوبات التواصل، والإرهاق، وقلة النوم، والضعف الإدراكي، وطنين الأذن وفقدان السمع الذي يكون مرتبطًا عادة بفقدان مصدر الإدراك نفسه في المخ، ما يفضي لأمراض ألزهايمر أو الخرف المبكر، عدا عن ارتفاع ضغط الدم وضعف المناعة الناتجة عن ارتفاع هرمون التوتر والضغوطات بشكل مستمر.
ومنذ أول ليلة لها في المخيم، تفقد المرأة النازحة مقومات الأمان والراحة والخصوصية، فالخيام متلاصقة والراحة معدومة، وكثيرًا ما ترتبط حياتها بالمصاعب.
وتعاني مخيمات النازحين داخليًا في شمال غربي سوريا من الاكتظاظ، وأصبح إيجاد مأوى في المنازل القائمة محدودًا، كما أصبح العثور على مكان في مبنى غير مكتمل من الأمور الشبه المستحيلة، بحسب بيان لفريق “منسقو استجابة سوريا”، صادر في 29 من تشرين الأول الماضي.
وازدادت أعداد المخيمات بشكل ملحوظ خلال الفترة السابقة لتصل إلى 1489 مخيمًا، يقطنها أكثر من مليون ونصف مليون نسمة، من بينها 452 مخيمًا عشوائيًا يقطنها 233 ألفًا و671 شخصًا، بحسب البيان.
هاديا منصور _ عنب بلدي