تشكل العاصمة اللبنانية بيروت عبر مطار رفيق الحريري الدولي- بوابة العبور الأخيرة للسوريين الهاربين من الضغوط الاقتصادية والأمنية الكبيرة في مناطق سيطرة النظام السوري، سواء باتجاه الدول الأوروبية أو المدن التي تشهد توافداً سورياً كبيراً خلال الأشهر الأخيرة مثل (أربيل- القاهرة- إسطنبول- دبي).
الوصول إلى الحدود اللبنانية السورية لا يعد آخر خطوات الخلاص باتجاه طريق يفتح الأمل لحياة السوريين، إذ أن الحدود وبيروت ومطارها مليئة بالعقبات في وجوه الطامحين للمغادرة، وبالإضافة إلى الشروط التي حددتها السلطات اللبنانية لعبور السوريين إلى أراضيها، فهناك سوء معاملة ملحوظ تجاه السوريين عبر الحدود البرّية والجوية للبنان، بالإضافة إلى التكاليف المالية التي يدفعها المغادرون إلى بيروت أولاً ومنها إلى المدن الأخرى.
وتشكل هذه المبالغ عاملاً معززاً للاقتصاد اللبناني المنهك في ظل الأزمات المتوالية التي تضرب البلاد، سياسياً واقتصادياً.
معاملة سيئة على الحدود اللبنانية السورية
“تعامل السلطات اللبنانية على الحدود هي الأسوأ لا يمكن لأي سوري أن يتخيل وقد وصل بهم الأمر إلى حد تعطيل أمور المسافرين وأصحاب الحجوزات”.
بهذا الوصف بدأ أحمد (40 عاماً، ويقيم في مدينة إسطنبول) تجربته مع أهله أثناء مغادرة دمشق إلى بيروت ومنها إلى تركيا.
وأضاف أحمد في حديثه لموقع تلفزيون سوريا “اضطررت للدفع لأحد الضباط ألف دولار أميركي ليسمح لعائلتي بدخول الأراضي اللبنانية لـ24 ساعة ريثما يقدمون أوراقهم في السفارة التركية في بيروت“، واضطر أحمد لهذه الخطوة بسبب تعنت الضابط رغم أن أوراقه وعائلته كانت نظامية وكاملة بحسب حديثه.
أحمد ليس حالة وحيدة على الحدود اللبنانية، إذ اضطر جابر (26 عاماً يقيم في هولندا) لدفع مبلغ يصل إلى أربعة آلاف دولار أميركي لتأمين رحلته دون عقبات والحصول على الفيزا إلى تركيا، قبل أن يغادرها باتجاه هولندا في الأيام الماضية.
وقال جابر لموقع تلفزيون سوريا إن دفعه لهذا المبلغ شمل النقل من دمشق إلى بيروت والحصول على الفيزا والإقامة في الفندق، بالإضافة إلى غياب أي عقبات على الحدود البرية بين سوريا ولبنان، إذ تكفل السائق بمروره “بمعرفته” بحسب وصفه.
وأضاف جابر “كنت متوتراً وخائفاً من التعرض لعملية نصب من قبل السمسار الذي تعاملت معه، وعدم منحي موعداً واضحاً للحصول على الفيزا وكل ما سألته لا يجيبني سوى بكلمة “قاب قوسين أو أدنى”، وطالت المدة أكثر من المتوقع”.
وأوضح جابر بأن هناك ما وصفه بـ”التخوف الواضح” من قبل السلطات اللبنانية من عدم مغادرة السوريين للأراضي اللبنانية، إذ سُئل عدة مرات عن خطوته التالية في حال لم يحصل على الفيزا إلى تركيا، وإن كان سيعود إلى سوريا أم سيبقى في لبنان، كما أُجريت عمليات تدقيق كبيرة على حجوزات الفنادق.
من جهته وصف أدهم (36 عاماً ويقيم في إسطنبول) تعامل السلطات اللبنانية على الحدود مع المسافرين بـ”المزاجي”، إذ لا يوجد أي قرار يحكم دخول السوري إلى الأراضي اللبنانية، في فترة من الفترات توجهت الناس إلى بيروت للحصول على الفيزا إلى تركيا وفق المواعيد التي حصلوا عليها مسبقاً، صدر قرار بمنع دخولهم وانتظروا لأكثر من ثلاثة أيام، البعض نجح بالدخول بعد دفع رُشاً أو بالحصول على واسطة من جهات متنفذة، وعادةً ما يكون الدفع بين 100 إلى 200 دولار أميركي للضابط المسؤول.
مطار رفيق الحريري
لا يعني عبور الحدود البرية بين سوريا ولبنان أن المعاناة والمضايقات التي يتعرض لها السوريون المتجهون إلى دول أخرى عبر بيروت انتهت، إذ سيواجهون في المرحلة التالية ما واجهوه براً، في مطار “رفيق الحريري” الدولي.
ورغم أن شريحةً كبيرة من المغادرين عبر المطار يحملون وثائق سفر نظامية صادرة عن سلطات النظام السوري، و(التي تملك بدورها علاقات معقدة ومتشعبة ووثيقة مع أجهزة أمن المطار التي يسيطر عليها حزب الله، ويملكون أيضاً فيزا نظامية إلى البلاد المتوجهين إليها، إلا أن هذه الأوراق لا تمنع أي نوع من المضايقات، أبسطها عملية التدقيق في الفيزا وغيرها من الأوراق الأخرى.
وقال جابر لموقع تلفزيون سوريا إن ضباط أمن المطار فحصوا جواز سفره والفيزا بالعدسات المكبرة، لخمس دقائق، قبل أن يخبروه بأنه تجاوز فترة الإقامة الممنوحة له من قبل السلطات اللبنانية ثم تناقشوا مع بعضهم البعض لعشرين دقيقة قبل أن يسمحوا له بالمغادرة.
وليس جابر وحده من تعرض لمضايقات في المطار، إذ روى أحمد لموقع تلفزيون سوريا أن سلطات المطار ليست أفضل من حرس الحدود البرية، إذ قاموا بتعطيل سفر عائلته حتى كادت تقلع الطائرة لأن الضابط المسؤول لم يكن موجوداً رغم الاتصال به عدة مرات حتى قام أحد الدرك بأخذ الأوراق وختمها ليكون أهلي آخر من صعد الطائرة وحتى عند صعودهم تم تغيير أمكنتهم ومضايقتهم حتى على الطائرة التابعة لخطوط طيران الشرق الأوسط “شركة ميدل إيست اللبنانية”.
سارة التي اتجهت إلى تركيا أواخر العام الماضي 2021، مرّت عبر مطار “رفيق الحريري الدولي”، وصفت تعامل سلطات المطار بغير الطبيعي والحاد والمشحون تجاه السوريين دون وجود إساءة مباشرة، مضيفةً بأن التعامل حتى مع الفلسطينيين لم يكن طبيعياً كالبقية، وبمجرد تسليم جوازات السفر للحصول على ختم الخروج، طُلب منها ومن أشخاص آخرين الجلوس في مكان معين وعدم التحرّك إطلاقاً، مع منح أجوبة بنبرات حادة في كل مرة سألوا فيها عن شيء ما، وبين المطارات الثلاثة التي مرّت بها (دمشق- رفيق الحريري- إسطنبول) كان مطار بيروت الأكثر إزعاجاً بحسب وصفها.
وتشهد العاصمة دمشق، ومدن أخرى تحت سيطرة النظام السوري مغادرة عدد كبير من المواطنين السوريين نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة وارتفاع تكاليف المعيشة وغياب فرص العمل، ويتجه المسافرون إلى إسطنبول ودبي وأربيل والقاهرة بعد الحصول على الفيزا من سفارات هذه الدول من العاصمة اللبنانية بيروت.
لبنان يستفيد اقتصادياً من سفر السوريين
يشكل سفر السوريين إلى الخارج عبر لبنان منفعةً اقتصادية بالنسبة للأخير، وعبئاً اقتصادياً على المسافرين وخاصةً مع ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي.
ويبلغ سعر صرف الدولار الأميركي ثلاثة آلاف و600 ليرة سورية للدولار الأميركي الواحد بالنسبة لسعر الشراء، وثلاثة آلاف و635 ليرة سورية لسعر المبيع.
وقال المستشار الاقتصادي، جلال بكار، لموقع تلفزيون سوريا إن عدداً كبيراً من السوريين لا يملكون اليوم أعمالاً تجارية تتناسب مع المصاريف الخارجية، فهناك عدة أزمات في داخل مناطق سيطرة النظام السوري، فيما تعد بيروت هي المنفذ الوحيد المتبقي للسوريين للتعامل مع السفارات الأجنبية أو المطار بالحد الأدنى، فجواز السفر السوري لا يمنح صاحبه صلاحية الدخول إلى الكثير من البلاد من دون فيزا مسبقة.
يستفيد الجانب اللبناني من حركة سفر السوريين بكونه الممر الوحيد المتبقي الآمن نوعاً ما للسفر بشكل قانوني وخاصةً مع تعامل سفارات الدول الأجنبية مع لبنان كأنه سوريا مع إغلاق هذه السفارات أبوابها في العاصمة دمشق، لكن هذا أيضاً يشكل عبئاً على السوريين إذ هناك شروط صعبة بالنسبة لهم.
وتكمن استفادة الجانب اللبناني في حركة العبور من خلال المبالغ النقدية التي يصرفها السوريون سواء في رسوم الدخول، أو المصاريف اليومية والمبيت في الفنادق، بالإضافة إلى حجوزات الطيران التي يستفيد منها مطار رفيق الحريري في العاصمة بيروت، عدا الغرامات الناتجة عن التأخير وغيرها من التفاصيل المالية.
يامن مغربي _ تلفزيون سوريا