منذ أن حصلتُ على الجنسية التركية، حاولتُ عدة مرات الحصول على تأشيرة دخول إلى السعودية، للاجتماع بزوجي المقيم هناك منذ سنوات، لكن في كل مرة كان يأتي الجواب بالرفض لأني سورية الأصل”، بهذه الكلمات لخّصت ثريا حاج موسى (35 عامًا)، تجربتها الفاشلة لمحاولة لقاء زوجها المقيم في السعودية.
ويعاني العديد من السوريين الحاصلين على جنسية ثانية تَبعات الجنسية السورية، بالأخص عند السفر إلى دولة أخرى، إذ يقابَلون برفض منحهم التأشيرة أو بالترحيل من المطار الذي يهبطون فيه في حال عدم احتياجهم إلى تأشيرة، على الرغم من تقدمهم بالسفر باستخدام جنسيتهم الجديدة.
ثريا الحاصلة على الجنسية التركية منذ عام 2017، لم تُفلح محاولاتها العديدة عام 2018 لأخذ تأشيرة دخول إلى السعودية، حين تقدمت بأوراقها إلى القنصلية السعودية في اسطنبول حيث تقيم، بناء على دعوة زيارة من زوجها.
كما حاولت التقدم للسفارة السعودية بأنقرة عن طريق تأشيرة عمل من خلال شركة سعودية، ليأتي الرفض بعبارة، “يُعتذر لها، يجب أن تكون من أصول تركية”، وأكدت ثريا محاولتها التقدم لتأشيرة زيارة إلى المملكة عن طريق جواز سفرها السوري قبل حصولها على الجنسية، وهو ما قوبل بالرفض أيضًا.
نجحت ثريا بعد كل تلك المحاولات بدخول السعودية عن طريق تأشيرة “عُمرة” على جوازها التركي لمدة شهر واحد في ذات العام.
وكانت ملكة جمال بريطانيا لين كلايف، عانت من رفض منحها تأشيرة دخول للمشاركة في مسابقة جمال عالمية بالولايات المتحدة الأمريكية، بسبب أصولها السورية، على الرغم من تقدمها بجواز سفر بريطاني، ومنحت الموافقة لزوجها وطفلتها فقط، بحسب ما نشرته شبكة “BBC” البريطانية، في 7 من كانون الثاني الماضي.
وقالت كلايف، “تقدمت بطلب بجواز سفر بريطاني، أنا أمثّل بريطانيا وأنا مواطنة بريطانية، لذلك لم يكن لدي أي فكرة عن أنني سأحظر من الولايات المتحدة”.
وبحسب القانون الأمريكي، يخضع مواطنو “الدول الراعية للإرهاب” عند تقدمهم للسفر إلى الولايات المتحدة للاستجواب من قبل مسؤول قنصلي، وتُصنف سوريا من هذه الدول منذ عام 1979.
ومُنع سوريون حاصلون على الجنسية السويدية من دخول لبنان، وأُعيدوا من مطار “رفيق الحريري” في بيروت، دون توضيح الأسباب.
ولدى سؤال السفارة اللبنانية في السويد عن السبب، أجابوا بأن الدخول بطريقة غير شرعية إلى أوروبا يحرم المرء من دخول لبنان دون موافقة الأمن العام اللبناني، بحسب موقع “أكتر” السويدي، في 22 من كانون الثاني الماضي.
تجارب سفر فاشلة والسبب “مخفي”
رصدت عنب بلدي حالات مشابهة لسوريين مُجنسين لم يتمكنوا من السفر بسبب أصولهم السورية، وفي حديث مع عنب بلدي، تحدث محمد علي عمر، الحاصل على الجنسية التركية عن تجربته بالسفر إلى قبرص من تركيا، في تموز 2020، عن طريق جواز سفره التركي دون تأشيرة إلى القسم التركي من قبرص.
وفي المطار القبرصي سأل ضابط الجوازات عن جنسية محمد، فأجاب بالتركية وأنكر جنسيته السورية، لكن “اُستجوبتُ من قبل ضابط ذي رتبة خارج المطار عن سبب زيارتي ومكان إقامتي في قبرص وعن رقم أحد معارفي فيها، وبالرغم من إجابتي عن جميع أسئلتهم، جرى ترحيلي إلى تركيا دون ذكر الأسباب”.
وفي آب 2020، سافر حسام الدين النعسان، الحاصل أيضًا على الجنسية التركية، من تركيا إلى الأردن، بحسب ما قاله لعنب بلدي، مضيفًا أنه عند وصوله إلى المطار ورؤية ضابط الجوازات لمكان ولادته على الجواز التركي، طلب منه جواز السفر السوري أو أي أوراق ثبوتية سورية.
لم يكن بحوزته أي إثبات سوري، فجرى التحقيق معه مع التحفظ على هاتفه المحمول، وبالنهاية جرت إعادته إلى تركيا، وعند استفساره عن السبب، قيل له إنها “تعليمات المخابرات الأردنية”.
الخوف من اللجوء
تقدم نور الدين رمضان الحاصل على الجنسية التركية بطلب تأشيرة سفر للقنصلية الألمانية في اسطنبول عن طريق جواز سفره التركي، في كانون الأول 2021، متضمنًا جميع الأوراق المطلوبة مع أمله برؤية أخيه المقيم في ألمانيا منذ خمس سنوات.
وعن الأوراق التي تقدم بها للقنصلية قال لعنب بلدي، “تضمنت إثباتات ملكية وكشف حسابات بنكية وأوراقًا تثبت صلتي بعملي، بالإضافة إلى دعوة الزيارة من شقيقي، التي تثبت تكفّله بمسؤوليتي ومستندات إضافية داعمة للطلب”.
تفاجأ نور الدين بتلقيه اتصالًا بعد فترة من القنصلية الألمانية يطلب منه جواز سفره السوري، وعلى الرغم من استجابة نور لطلب القنصلية، أتاه الرد برفض منحه التأشيرة بسبب “الشك بعدم العودة من ألمانيا” وتقديم طلب لجوء كونه مزدوج الجنسية.
حاول نور الدين أن يتقدم بطعن على قرار القنصلية، مع عريضة يثبت فيها حالته المادية المستقرة، بالإضافة إلى عمله ذي المردود الجيد، كدليل على عدم حاجته إلى التقدم بلجوء في الدولة المضيفة، ولكن عريضته قوبلت بالرفض أيضًا.
وبعد دعوة لحضور مؤتمر حول اللاجئين، في عام 2019، من جامعة اسكتلندية لزينب المصري، الحاصلة على الجنسية التركية، قدمت جميع الأوراق المطلوبة للسفارة الاسكتلندية في أنقرة للحصول على تأشيرة سفر.
وبسبب كونها مزدوجة الجنسية، وهناك “احتمال” عدم عودتها إلى تركيا، رفضت السفارة منحها التأشيرة، بحسب حديث زينب إلى عنب بلدي.
حظر على التعاملات المالية
تفرض العقوبات الاقتصادية الغربية والأمريكية على النظام السوري التدقيق وأحيانًا تقويض تعاملات بنكية على أي شخص حامل للجنسية السورية حول العالم، أو حتى على بعض المنصات المالية في الإنترنت، خوفًا من التورط أو الوقوع في هذه العقوبات.
وتداول سوريون على مواقع التواصل الاجتماعي أنباء عن إعلان منصة “Binance” للعملات الرقمية إغلاق حسابات المتداولين السوريين، في 28 من نيسان الماضي.
عنب بلدي تواصلت حينها مع قسم الدعم والمساعدة في المنصة، بصفة مستخدم يملك حسابًا، وقال المسؤول بقسم الدعم فيها، إن المنصة وضعت قوانين صارمة لإغلاق حسابات جميع حاملي الجنسية السورية في مختلف دول العالم.
ومرّ الباحث السوري كرم شعار بتجربة مماثلة حين طلب من بنك نيوزلندي قرضًا ماليًا لشراء عقار، لكن طلبه قوبل بالرفض بحجة عمله في منظمة “مملوكة وبإدارة سوريين” (مركز السياسات وبحوث العمليات ومقره تركيا)، وفق ما قاله لعنب بلدي.
ونوّه إلى أن دخول الولايات المتحدة للمواطنين النيوزيلنديين لا يحتاج إلى تأشيرة عادة، لكن عندما يكون الحاصل على الجنسية النيوزيلندية لديه جنسية سورية، يحتاج حينها إلى تأشيرة للسماح بالتوجه إليها.
“فجوة نفسية”
تعتبر الهوية وعدم التمييز على أساس العرق أو الدين حقًا من حقوق الإنسان الأساسية، لذا فإن أي تمييز على أساس العرق أو الأصل للسوريين يُعد انتهاكًا لحقوقهم الأساسية، وتنتج عنه “ارتدادات نفسية”، بالأخص عندما تكون الجنسية سببًا في حالات عدم لمّ شمل العائلة، وذلك لوجود الحالة العاطفية المرتبطة بالإنسان العربي وأهمية العائلة له، كما قالت الباحثة الاجتماعية إيفا عطفة لعنب بلدي.
وأوضحت عطفة أن هذه “الانتكاسات النفسية” الناتجة عن التمييز العرقي تؤثر على السوريين من ناحية رغبتهم بتحقيق طموحاتهم وأحلامهم وعلى حياتهم الاجتماعية، إذ يمكن أن ينشأ لديهم الخوف والتوتر، وفي حال كان التمييز من مؤسسات البلد المُضيف، فمن الممكن أن يؤدي إلى حالة من “الانطوائية” لدى السوري وعدم انخراطه في المجتمع المُستقبل، أو تقبله له.
ومن ناحية الانتماء إلى الوطن الأم، بحسب الباحثة الاجتماعية، يمكن أن تؤدي حالات التمييز العرقي إلى “رد فعل ذي حدين”، أولهما أن يتخلى السوري عن جنسيته أو انتمائه لوطنه وينسى أصوله وما تبقى له من ذكريات وماضٍ فيه، وينتمي بشكل تام للبلد ذي الجنسية الجديدة أو المقيم فيه.
وثانيهما أن تخلق التجارب التمييزية لدى السوري رد فعل سلبيًا، “لينسلخ” عن المجتمع المضيف وينعزل عنه، إلى حد أن يقرر العودة إلى سوريا، بالرغم من التهديدات التي يمكن أن يتعرض لها من النظام السوري أو من القوى الأخرى الموجودة.
وخلقت الحرب الروسية على أوكرانيا ونشوء أزمة اللاجئين الأوكرانيين في أوروبا لدى السوريين “فجوة نفسية”، عندما شاهدوا التمييز في طريقة تعامل الحكومات الأوروبية مع اللاجئين الأوكرانيين والسوريين قبلهم، كما عززت هذه الحالة عدم الثقة في الأطراف الدولية، وفق عطفة.
وتسعى شريحة كبيرة من السوريين للحصول على جنسيات البلدان التي لجؤوا إليها، خاصة في أوروبا، بسبب ضعف جواز السفر السوري دوليًا ورغبتهم بتحسين أوضاعهم القانونية.
وعلى سبيل المثال، بلغ عدد السوريين الحاصلين على الجنسية التركية بعد استيفائهم المعايير المطلوبة 200 ألف و950 شخصًا، بحسب تصريحات وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، في 10 من أيار الماضي.
بينما أظهرت بيانات صادرة عن المكتب الفيدرالي الألماني للإحصاء، أن عدد السوريين الذين حصلوا على الجنسية الألمانية خلال 2021 كان أعلى بثلاث مرات من العام الذي سبقه.
وذكر المكتب أن العديد من اللاجئين السوريين في ألمانيا ممن فروا بين عامي 2014 و2016 استوفوا معايير الأهلية للحصول على الجنسية، بحسب ما نقلته وكالة “رويترز”، في 10 من حزيران الماضي.
وبحسب بيانات المكتب، نما العدد الإجمالي للأجانب الذين حصلوا على الجنسية الألمانية بنسبة 20% في عام 2021، ليصل إلى ما يقرب من 131 ألفًا و600 شخص، ومن بين هؤلاء كان هناك 19 ألفًا و100 سوري أصبحوا مواطنين ألمانيين.
محمد فنصة _ عنب بلدي