التعليم المفتوح في تركيا.. مساحة للسوريات بين الواجبات الأسرية والتأهيل العلمي

لم تقتصر أزمة اللجوء السوري الناجمة عن الحرب الدائرة في البلاد على تشرد ملايين السوريين في دول العالم فحسب، فرافق موجات اللجوء والنزوح أزمات على جميع المستويات وكانت أزمة الانقطاع عن التعليم من أبرزها.

 وتتجلى خطورة هذه المسألة كونها لا تؤثر على حاضر اللاجئين فحسب بل تنعكس على مستقبلهم على حد سواء. يشير إعلان نيويورك بشأن اللاجئين والمهاجرين إلى أهمية التعليم كعنصر أساسي في الاستجابة الدولية للاجئين. بالإضافة إلى ذلك، يسعى الهدف 4 من أهداف التنمية المستدامة إلى ضمان “التعليم الشامل والجيد للجميع وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة”.

مع ذلك ما زال يواجه كثير من اللاجئين مشكلة الانقطاع عن التعليم، فوفقاً لموقع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، كان المعدل الإجمالي لالتحاق الأطفال اللاجئين في المدارس على مستوى التعليم الابتدائي بين آذار / مارس 2019 وآذار / مارس 2020 للدول التي قدمت بياناتها وصل إلى 68%. أما بالنسبة للتعليم الثانوي، فقد بلغ المعدل 34%، ما يشير إلى وجود عقبات هيكلية  تعترض التلاميذ اللاجئين في الوصول إلى التعليم لمستوى ما بعد المرحلة الابتدائية وفقاً لموقع المفوضية.

وربما تزداد هذه العقبات في مراحل التعليم العالي فلا يتمكن سوى 5% فقط من اللاجئين اليوم من الوصول إلى التعليم العالي، وهو معدل منخفض كثيراً مقارنة بالمعدل العالمي للالتحاق بالتعليم العالي والذي يبلغ 39%.

وفي تركيا فإن ما يقرب من 450 ألفاً من الأطفال لا يذهبون إلى أي مؤسسة تعليمية، في حين يمارس مليون و247 ألف طفل سوري حق التعليم في تركيا.

وعلى نطاق أضيق وفي مجتمع لا تزال فيه المرأة المسؤول الأول عن وظائف الرعاية والعناية بالأطفال (كالمجتمع السوري) تضاف إلى تلك العقبات الهيكلية عقبة الأمومة عند اللاجئات السوريات فتحول بينهن وبين رغبتهن في إتمام التعليم، فإلى جانب ظروف اللجوء الصعبة سيكون الالتزام لعدة سنوات بدوام الجامعات وساعات الدروس الثابتة عائقاً أمام الكثير من الأمهات اللاجئات يدفعهن للاستغناء عن أحلامهن في التحصيل العلمي فتفاضلن عليها واجبات ذات أولوية مجتمعية مثل التفرغ لرعاية الأطفال والمنزل على الرغم من أن التعليم حق أساسي من حقوق الإنسان حيث تؤكد المادة 26 من اتفاقية حقوق الإنسان على حق التعليم لكل شخص، وتشير في شقها الأول إلى وجوب إتاحة التعليم العالي للجميع تبعاً لكفاءاتهم.

التعليم المفتوح حل لموازنة الرغبات والواجبات

في تركيا وجدت بعض اللاجئات السوريات التعليم المفتوح حلاً يحقق لهن التوازن بين الرغبة في إتمام التعليم وأداء الواجبات الأسرية، وطريقاً سهلاً لملاءمة متطلبات سوق العمل في مجتمع اللجوء وأحيانا فرصة للتطوير الذاتي.

تستقبل تركيا العدد الأكبر من اللاجئين السوريين فتستضيف ما يتجاوز 3.7 مليون سوري تحت الحماية المؤقتة وفقاً لإحصائيات دائرة الهجرة التركية، وتتجاوز نسبة النساء والأطفال 70 في المئة من مجملهم.

توزيع السوريين تحت الحماية المؤقتة تبعاً للجنس والعمر- موقع دائرة الهجرة التركية

ويحق لجميع اللاجئين وطالبي اللجوء في تركيا الحصول على التعليم ويمكنهم التسجيل في الجامعات التركية بعد حصولهم على رقم هوية أجنبي من قبل السلطات التركية وإتمام المرحلة الثانوية، وتتفرد كل جامعة بشروط معينة وامتحانات قبول مختلفة.

تقول ماريا (27 عاماً) اللاجئة السورية في مدينة إسطنبول التي اضطرت إلى ترك كلية التربية في جامعة حلب، إن الصعوبات التي واجهتها للعودة إلى التعليم كانت مضاعفة فهي في بلاد اللجوء، وفي ظل غياب وبعد الأهل الداعمين في أمور رعاية الأطفال كان من الصعب عليها مجرد التفكير بالعودة إلى مقاعد الدراسة ولكن بعد البحث والتعرف إلى التعليم المفتوح في تركيا وشروطه وجدت أنه الخيار الأمثل لها كأم للعودة إلى التعلم فمن خلاله تستطيع إتمام التعليم الجامعي وهي بجانب أطفالها.  

على خلاف أسلوب التعليم التقليدي المعتاد، لا يتطلب التعليم المفتوح في الجامعات التركية الالتزام بالحضور إلى الحرم الجامعي، ويتم تدريس الدروس في بيئة افتراضية من خلال الحاسوب، حيث يحصل الطالب على المقررات الدراسية من موقع الجامعة المسجل بها ولا تتطلب حضوراً فيزيائياً إلا عندما يخضع للامتحانات في مراكز يتم تحديدها وفقاً للمنطقة التي يختارها الطالب.

طريقة للاندماج وملاءمة سوق العمل

كانت أيضاً ميزتا عدم الالتزام بدوام والمرونة في ساعات الدروس في نظام التعليم المفتوح هما اللتان حفزتا السيدة السورية حياة لاتخاذ قرار العودة إلى الدراسة أيضاً.

وأنهت حياة (35 عاماً) وهي الأم لثلاثة أطفال، دراسة الماجستير في الهندسة البتروكيميائية قبل قدومها إلى تركيا، ولكن عدم الطلب على تخصصها، في سوق عمل بلد اللجوء دفعها للعودة إلى مقاعد الدراسة من جديد.

قررت حياة أن تدرس تخصصاً جديداً مطلوباً في سوق العمل التركية واختارت نظام التعليم المفتوح لدراسة تخصص إدارة الأعمال، وتؤكد حياة أنها لم تكن لتتخذ قرار البدء بالدراسة من جديد لو كان ذلك سيتطلب منها الالتزام بساعات دوام محددة وحضور دروس في الحرم الجامعي على مدار عدة سنوات خصوصاً أنها مسؤولة عن رعاية أطفالها الثلاثة.

تقول حياة: “على الرغم من إنهائي دراسة التخصص الذي أرغب فيه فإن قدومنا إلى تركيا أعادني إلى نقطة الصفر، فلم أجد فرص عمل مناسبة في تخصصي كما أن شهادتي تحتاج إلى التعديل في حال رغبت العمل بها، وفي النهاية نحن ندرس كي نعمل”.

علي نبهان مستشار تعليمي في الجامعات أطلق منذ عدة سنوات مبادرات فردية وشارك مع مجموعة من أصدقائه في مبادرات جماعية لمساعدة الطلاب في التسجيل على التعليم المفتوح والتعريف به.

يقول نبهان إن الإقبال في السنوات الثلاث الأخيرة للتسجيل على التعليم المفتوح عن طريقهم زاد بشكل كبير ولفت إلى أن الإناث وخاصة المتزوجات هن الأكثر إقبالاً وتتجاوز نسبتهنّ 60 في المئة من المجمل.

منشورات على إحدى مجموعات الفيس بوك الطلابية

وتتوافر كليات التعليم المفتوح في كل من جامعات (إسطنبول والأناضول وأتاتورك)، وفي كل منها برامج بكالوريوس 4 سنوات أو معاهد لمدة سنتين، ولكل جامعة مراكز منتشرة في المدن التركية تتيح كل منها عدة تخصصات. 

 أسهل للقبول وأقل كلفة ولكن مستثنى من المساعدات

لا تقتصر سلاسة التعليم المفتوح على المرونة في ساعات الالتزام فحسب، فشروط القبول السهلة في التعليم المفتوح، كانت سببا لتفضيل بعض السيدات لهذا النوع من التعليم.

اختارت سما وهي لاجئة سورية في تركيا، تخصص الاقتصاد في جامعة الأناضول، وبحكم زيادة التنافسية بين الطلاب السوريين ومحدودية مقاعد الأجانب في التعليم النظامي؛ فإنها وجدت في التعليم المفتوح خياراً مناسباً وجيداً.

وأوضحت سما أن التعليم المفتوح هو تعليم معترف به في تركيا وفرص القبول في التخصص نفسه هي أعلى بكثير في التعليم المفتوح منها في التعليم النظامي، فالدرجات المطلوبة للانخراط في التعليم المفتوح سهلة التحقيق.

وأشارت إلى أن رسوم التعليم المفتوح هي رسوم معقولة، لذلك فإن التعليم المفتوح هو خيار جيد خاصة مع الرسوم المرتفعة التي فرضت على الطلاب السوريين أخيراً في التعليم النظامي.

وتتراوح أقساط الدراسة في التعليم المفتوح للأجانب بين 400 إلى 1200 ليرة تركية  تقريباً  للفصل الدراسي الواحد، وتختلف الرسوم تبعاً للتخصص والجامعة.

فبالإضافة إلى التخصصات باللغة التركية يوفر نظام التعليم عن بعد في جامعة الأناضول برامج بلغات أخرى كبرامج العلاقات الدولية والعلوم السياسية والاقتصاد وإدارة الأعمال باللغة الإنجليزية وبرنامج الإلهيات باللغة العربية. 

ولفت نبهان إلى أنه على الرغم من تقديمهم الدعم والمساعدة للتسجيل على التعليم المفتوح في كل من جامعة إسطنبول والأناضول وأتاتورك؛ فإن جامعة الأناضول هي الجامعة الأكثر شعبية بين الطلاب، ويعزو ذلك إلى كونها الأقدم والأقل رسوماً، إضافة إلى توفيرها تخصصات بعدة لغات منها تخصص الإلهيات الذي يدرس باللغة العربية، ويليها جامعة إسطنبول تخصص تنمية الطفل على وجه الخصوص وهو ما يلقى إقبالاً كبيراً خاصة من الإناث.

وترى السوريات اللواتي تحدثن إلى موقع تلفزيون سوريا أن التعليم المفتوح وسيلة للتغلب على عقبات فرضها التنميط الجندري على المرأة وحل يتيح لها الحصول على حقها في التعليم من دون أن تدخل في صراع مع المجتمع، ما يجعله يستحق جهوداً جدية من المؤسسات العاملة في القطاعات ذات الصلة لدعم هذا النوع من التعليم.

“تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الإنسان”.

مزنة عكيدي _ تلفزيون سوريا

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار

سوريّات في فخ “تطبيقات البث المباشر”..بين دعارة إلكترونية واتجار بالبشر

يستقصي هذا التحقيق تفشي “تطبيقات البث المباشر” داخل سوريا، ووقوع العديد من الفتيات في فخ تلك التطبيقات، ليجدن أنفسهن يمارسن شكلاً من أشكال “الدعارة...

ابتزاز واغتصابٌ وتعذيب.. سوريون محاصرون في مراكز الاحتجاز اللّيبية

يستقصي هذا التحقيق أحوال المحتجزين السوريين في ليبيا خلافاً للقانون الدولي، وانتهاكات حقوق الإنسان داخل مراكز احتجاز المهاجرين، وخاصة تلك التي تتبع “جهاز دعم...

كعكةُ “ماروتا سيتي” بمليارات الدولارات

آلاف الأسر تتسوّل حقّها بـ"السكن البديل" على أبواب "محافظة دمشق" يستقصي التحقيق أحوال سكان منطقة المزة – بساتين الرازي في دمشق، بعد تهجيرهم من بيوتهم...

معاناة اللاجئات السوريات المصابات بمرض السرطان في تركيا

تصطدم مريضات السرطان من اللاجئات السوريات في تركيا بحواجز تمنعهن من تلقي العلاج على الوجه الأمثل، بداية من أوضاعهن الاقتصادية الصعبة والاختلاف في أحقية...

خدمات المساعدة القانونية المجانية للاجئين السوريين في تركيا

غصون أبوالذهب _ syria press_ أنباء سوريا الجهل بالحقوق القانونية للاجئين السوريين في تركيا يقف حجر عثرة أمام ممارسة حقهم بالوصول إلى العدالة، ويمنعهم...
Exit mobile version