syria press_ أنباء سوريا
لم يخطر لي يوماً أن قانون (الكل أو لا شيء)، الذي تعلمناه في حصة العلوم الطبيعية أيام المدرسة، يمكن أن يكون له تطبيقات على مناحي الحياة الأخرى.
قانون الكل أو لا شيء All-or-None Law ينص على أن استجابة الخلايا العصبية، لا تعتمد على قوة المثير stimulus بل على بلوغه عتبة معينة، فإذا كان المثير أعلى منها، فستقوم الخلايا العصبية برد فعل.
والمهم أيضاً أن الاستجابة إما أن توجد كاملة، أو لا توجد على الإطلاق، فلا احتمال لاستجابة جزئية لخلية عصبية واحدة أو لألياف عضلية فردية.
المجتمع المدني السوري
هكذا ينظر المجتمع المدني السوري اليوم للعملية الانتخابية؛ كجزئية ضمن كتلة متكاملة من إصلاحات دستورية، تمتد لتشمل القطاعين الأمني والقضائي، إضافة إلى خلق بيئة آمنة تتيح مشاركة فعالة لجميع السوريين، وبإشراف أممي ورقابة دولية محايدة تضمن سلامة المشاركين.
لقد عركت الأحداث السياسية المهمة في السنوات الأخيرة المجتمع المدني السوري، وأخرجته من سذاجة المبتدئ في عالم السياسة، فلم تعد تنطلي عليه محاولات روسيا ونظام الأسد تجزئة القضايا المتكاملة ومعالجتها منفردة، كمحاولته فصل إعادة الإعمار عن العملية السياسية في إطار اللجنة الدستورية، وكذلك عودة اللاجئين، ومستقبل تواجد إيران في سوريا، ومكافحة الإرهاب وغيرها.
ولكي يتمكن من بناء نظام مناعة قوي لدى المجتمع السوري ككل، انخرط المجتمع المدني السوري في ممارسة دور رئيسي في التوعية السياسية، ومحاولة توجيه الرأي العام السوري في جميع القضايا الحساسة والمصيرية، التي سترسم معالم مستقبل بلده، إضافة إلى مشاركته في العملية السياسية في جنيف، ودوره الفعال في اللجنة الدستورية، وتأثيره في الأوساط الدولية فيما يتعلق بإدخال المساعدات الإنسانية.
فدوره لم يعد يقتصر على تقديم الخدمات التنموية، بل تحول ليكون أحد أدوات التغيير الفعلية، وفاعلاً أساسياً في الدفاع عن الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان.
وبمعنى آخر، فإن المجتمع المدني بات منخرطاً في توعية وتمكين المجتمع، من أجل الانتقال به من واقع الرعية إلى واقع المواطنة والمشاركة في بناء المجتمع السياسي الحقيقي في سوريا.
واثقون من قدرتنا على التغيير
منذ أكثر من عامين أطلقت العديد من منظمات المجتمع المدني السورية حملات توعية تحت شعار “واثقون من قدرتنا على التغيير” تمهيداً للاستحقاقات السياسية، نظمت خلالها عشرات الجلسات الحوارية وورشات العمل، التي ناقشت قضية الانتخابات الرئاسية، وحلَّلت التوافق والتطابق، وحتى الاختلاف بين جميع المكونات السورية وفي جميع المناطق القادرة على خلق حالة التغيير، بعيداً عن تأثير أجهزة الأمن والاستخبارات، وما كانت تبثه من خوف في نفوس الأجيال على مدار أكثر من خمسين عاما.
تكوَّن لدى السوريين إجماع – أو ما يقرب من الإجماع – على أن الانتخابات لا يمكن أن تُعَالج بمعزل عن حزمة من القضايا المصيرية والمحورية مثل: الإصلاحات الدستورية وخلق البيئة الآمنة، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين لدى جميع الأطراف، وإلا فلا مستقبل لأي عملية سياسية جدية. كما أن هناك شبه اتفاق ومن كل الأطراف على استبعاد مجرمي الحرب من الترشح لأي عملية انتخابية.
وبعد مرور عشر سنوات على انطلاق الثورة السورية، أصبح الشباب السوري اليوم أكثر إيماناً بقدرته على رسم مستقبله السياسي بنفسه، ولن تنطلي عليه المسرحية الهزلية الانتخابية التي يسعى النظام السوري لتنظيمها نهاية الشهر الحالي، فجميع الشباب السوري في مختلف المناطق بما فيها التي تخضع لسيطرة النظام بشكل أساسي، يتهامسون بسخرية حول الانتخابات المزمع عقدها ونتيجتها المعروفة مسبقاً لدى الجميع.
المعالم السياسية والديمغرافية
لكن المشكلة الأساسية لا تكمن في معرفة نتائج تلك الإجراءات التي يستخف بها جميع السوريين، بل في فرض واقع سياسي مضحك مبكٍ في آن واحد، ولمدة سبع سنوات أخرى، سترافقها مجموعة من العوامل التي ستغير معالم سوريا السياسية والديمغرافية. الأمر الذي يتطلب منّا الكثير من الوعي والحزم لمواجهته.
فخلال هذه المعركة السياسية المنهِكة والطويلة الأمد، لا بد لمنظمات المجتمع المدني من تبني “الاستراتيجية الإعلامية الفعالة” بهدف الاستفادة القصوى من الإعلام بمختلف أشكاله، ومنصات التواصل الاجتماعي والشخصيات المؤثرة والمشاهير، في الترويج للحملات والبرامج التوعوية التي تستهدف التغيير الاجتماعي على مختلف مستوياته.
الملاحظ مؤخراً أن الرأي العام السوري، بات يثق بمنظمات المجتمع المدني، ويؤمن بدورها، لا سيما بعد أن نجحت في إثارة بعض القضايا في مجال حقوق الإنسان والدفاع عن المعتقلين والمختفين قسرياً والقضايا المتعلقة بتمكين المرأة السورية.
ولا شك أن الطريق لا زال في بدايته والعقبات أكثر من أن تُحصى، ولكن على الأقل بدأنا نتعلم – ربما- من درس علم الأحياء في عالم السياسة، فالدخول في الانتخابات الرئاسية هو كاستجابة السيالة العصبية، فهي إما أن تكون كاملة أو لا تكون على الإطلاق. والانتخابات كذلك إما أن تكون ضمن عملية سياسية متكاملة ترقى إلى مستوى التضحيات التي قُدِّمت خلال عقد من الزمن، وإما لن تكون على الإطلاق، إما الكل أو لا شيء.
د. أسامة الشربجي _ القدس العربي