عبر القصص المصورة “كوميكس” والبرامج الإذاعية تسعى الأمم المتحدة للتواصل مع نساء سوريات لاجئات في تركيا لتسليط الضوء على الآثار النفسية لجائحة كورونا عليهن، بشكل يتجاوز وصمة العار التقليدية ومشاعر الخجل التي قد تعتري الأفراد في وقت مازالت فيه الصحة النفسية موضوعاً حساساً في العديد من مجتمعات الشرق الأوسط.
وبإطلاقها حملة “إنت منيحة” بالشراكة مع راديو “روزنة” السوري المعارض، مطلع الشهر الجاري، تأمل مبادرة “فيريفايد” التابعة للأمم المتحدة في تسليط الضوء على هذه الأزمة الثانوية الناجمة عن وباء كوفيد-19 والمتعلقة بالصحة النفسية، عبر إنشاء محتوى رقمي يمكنها من الوصول مباشرة إلى فئات الجمهور، عبر شراكات إعلامية محلية، علماً أنها استندت إلى دراسات أكاديمية أظهرت أن مجتمعات اللاجئين هي من بين أكثر المجتمعات عرضة للآثار النفسية للوباء. حيث خلقت الجائحة “بيئة مليئة بالقلق والتوتر لا تتم مناقشتها على نطاق واسع، ويؤثر هذا بشكل خاص على المجتمعات الضعيفة بالفعل مثل مجتمعات اللاجئين”، مثلما أوضح المدير التنفيذي لحملة “أنت منيحة” ومحرر القسم العربي في حملة “فيريفايد” التابعة للأمم المتحدة مصطفى الدباس.
وقال الدباس في حديث مع “المدن”: “كلاجئين، لا يستطيع السوريون في غازي عنتاب الوصول إلى خدمات الصحة العامة اللازمة. هذا ينطبق على حد سواء سريرياً وعلى خدمات الصحة النفسية.
عانت اللاجئات السوريات في غازي عنتاب من صراعات وصدامات طوال حياتهن. لقد أدى الوباء إلى تفاقم العديد من جوانب هذا الأمر. البعض أرامل، والبعض الآخر معزول عن العالم، وهناك فرص قليلة للنساء للوصول عن طريق الخدمات الخارجية التي يمكن أن تحسن وضعها. بسبب كوفيد-19، انخفض الوصول إلى خدمات الصحة النفسية بشكل أكبر”.
واللافت أن الحملة تركز على النساء اللاجئات في تركيا عموماً ومدينة غازي عنتاب تحديداً، بشكل أكبر، حيث بلغ عدد السوريين المسجلين تحت الحماية المؤقتة حتى شهر حزيران/يونيو الماضي نحو 449 ألفاً، بحسب إحصائيات رسمية نقلتها وسائل إعلام تركية، ما يجعل الولاية ككل تحتل المرتبة الثانية في عدد السوريين بعد إسطنبول، بمعدل سوري واحد من كل 5 أشخاص أتراك.لكن الحملة بذلك تتجاهل السوريات الموجودات في الداخل السوري اللواتي يعانين من اللجوء والنزوح وتحديداً في مناطق شمال سوريا كإدلب، وأيضاً اللاجئات الموجودات في دول مجاورة مثل لبنان والأردن.
وبالنظر للبعد العالمي للحملة، سوف تتم ترجمة الحلقات إلى اللغة الإنجليزية، لعرضها بداية من اليوم العالمي للصحة النفسية عبر منصات السوشيال ميديا التابعة للأمم المتحدة، وتم الاتفاق مع الممثلة السورية المعروفة سلافة عويشق لتقديم الأداء الصوتي باللغة الإنجليزية.
وأظهرت دراسة أجراها باحثون في جامعة ليفربول بالمملكة المتحدة أن اللاجئين السوريين في تركيا يعانون من عرض واحد على الأقل من أعراض الاكتئاب، وتفاقم ذلك بفقدان الوظائف وصعوبة الوصول إلى الخدمات الصحية ودعم الصحة النفسية، والبيئة المضغوطة في المنزل مع الأطفال والتعليم عن بعد، إلى جانب حقيقة أن اللغة تبقى عقبة أخرى أمام اللاجئين السوريين في تركيا. وأدى الافتقار إلى خدمات الصحة النفسية بلغتهم الأم إلى جعل حياتهم تبدو أكثر صعوبة.
وهنا، تقدم الحملة قصصاً حقيقية لنساء سوريات تم التواصل معهن خلال فترة التحضير للحملة، بالتعاون مع “روزنة”، من خلال مجموعات تركيز ضمت 15 لاجئة سورية تعيش في تركيا، وأفضى ذلك لكتابة نصوص مؤثرة. وقال الدباس: “أردنا من خلال هذه الحملة الوصول الجمهور المستهدف عبر منصات يتفاعلون معها بالفعل.
راديو روزنة لديه جمهور واسع من اللاجئين السوريين في البلاد، وكنا حريصين على استخدام خبراتهم في إنتاج أفضل برنامج إذاعي يمكننا الوصول إلى هذه المجموعة”، فيما تتضمن الحملة الرقمية سلسلة رسوم متحركة “عرفنا أنها ستكون في متناول الجمهور” لأن “الكرتون يضيف حياة إلى القصة المسموعة، كي يجعلها تقدم بطريقة غنية وجذابة”.
وأكمل الدباس: “نريد أن نظهر للنساء اللواتي يشعرن أنهن يتأثرن عاطفياً بالوباء، أنهن لسن وحيدات وأن ما يشعرن به ويعانين منه أمر طبيعي. من خلال الحلقات سوف نظهر كيف تأثرت النساء المختلفات بمشاعر كالعزلة والإحباط مثلاً، وما هي الخطوات التي قد يكون بإمكانهن اتخاذها للبدء في تحسين صحتهن النفسية”.
وتعرض كل حلقة، سواء عبر الإنترنت أو على الراديو، دراما قصيرة تستند إلى التجارب الحقيقية للمرأة في هذه المجتمعات ثم مناقشة موضوع كل حلقة مع خبير/طبيب أو مستشار على سبيل المثال، يمكنه تقديم المشورة العملية والدعم للجمهور.
وتم تصميم الحملة لخلق مساحة آمنة للنساء في غازي عنتاب للمشاركة في موضوع حساس مثل الصحة النفسية. كما تستند البرامج النصية إلى مناقشات أجريت مع نساء عبر المجموعات المركزة واستطلاعات الرأي التي تم توزيعها على نطاق واسع. وبناءً على هذه الأفكار، تم اختيار عدة موضوعات منها دور المرأة في حماية الأسرة والتعامل مع القلق وكيفية خلق مساحة للاعتناء بنفسك وكيفية التعامل مع عدم اليقين والخسارة.
والحال أن خلال فترات الإغلاق تحديداً، تغيرت الأدوار التقليدية ضمن الأسرة. وخلق وجود أفراد الأسرة على مدار 24 ساعة في المنزل مزيداً من التحديات بالنسبة للنساء تحديداً، حيث أصبحن مسؤولات ليس فقط عن الأمور المنزلية، بل أيضاً عن رعاية الأطفال والتأكد من متابعتهم لدراستهم عبر الإنترنت.
وكان الأمر أسوأ ربما بالنسبة للأمهات العازبات اللواتي يعشن مع أطفالهن، بعدما فقدن أفراد عائلاتهن خلال الحرب في سوريا.وكان هذا تحديداً أبرز الدوافع التي جعلت الأمم المتحدة تركز على النساء الأكثر تضرراً، حيث أشارت كل هذه العوامل “إلى الحاجة إلى تدخل مصمم للتركيز على النساء وصراعات الصحة النفسية التي واجهنها خلال الوباء”.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أطلق حملة “فيريفايد” العام 2020، وركزت حينها على المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة بوصفها “وباء ثانياً”، لكنها وسعت نطاق اهتمامها نحو مواضيع ملحة أخرى مرتبطة بالجائحة، وتحولت الحملة تدريجياً إلى “حركة اتصالات عالمية تعمل على تمكين الناس في جميع أنحاء العالم بالمعلومات المستندة إلى العلم ومكافحة المعلومات المضللة وتعزيز الثقة باللقاحات”، مع شركاء إعلاميين من بينهم في منطقة الشرق الأوسط “التلفزيون العربي” ومنصة “مسبار” للتأكد من الأخبار الكاذبة، وعدد من المؤثرين والمشاهير مثل الدكتورة المصرية إيمان الإمام مؤسسة قناة “الاستبالية” والمؤثرة السورية الشهيرة هايلة التي يتابعها الملايين في “يوتيوب”.
ومنذ انتشار فيروس كورونا أواخر العام 2019 والحظر العام الذي طال ملايين الناس في دول مختلفة حول العالم، كان الهم الصحي المباشر للوباء يتصدر أولويات السياسة والإعلام، لكن منظمة الصحة العالمية قالت عدة مرات أن تأثير كوفيد على الصحة النفسية والذهنية سيكون طويل الأجل وبعيد المدى، خصوصاً أنها تعتبر الصحة النفسية واحدة من أكثر المجلات الصحية اهمالاً على المستوى العالمي، بينما قال غوتيريش أن نسبة الأشخاص الذين يعانون من أمراض عقلية ممن لا يتلقون أي علاج على الإطلاق أكثر من 75%، في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.والحال أنه قبل بداية الجائحة كان نحو مليار شخص حول العالم يعانون من اضطرابات نفسية. مع اجتياح الفايروس وما رافقه من إجراءات، ارتفع خطر الإصابة بالاضطرابات النفسية والمشاكل السلوكية بما في ذلك الاكتئاب واضطرابات تعاطي مواد الإدمان.
ويصبح الأمر أقتم في منطقة الشرق الأوسط، حيث تقول منظمة الصحة العالمية أن لكل مئة ألف نسمة في إقليم شرق المتوسط، الذي يضم معظم الدول العربية، يوجد فقط قرابة 8 عاملين بالقطاع الصحي المتخصصين في الصحة النفسية.قائمة المشاكل النفسية في الوطن العربي طويلة، إذ شملت التوتر، والخوف، والقلق، والاكتئاب، والحزن، وقلة التركيز، واضطرابات النوم.
خصوصاً أن البشرية منذ بداية الجائحة واجهت مشاكل متنوعة مثل البطالة، وفقدان فرص التعليم، والعزلة، والخوف من المرض، والفقدان المفاجئ للأحبة، ما يدفع ستيفين تايلور، مؤلف كتاب “علم نفس الأوبئة” وأستاذ علم النفس بجامعة “بريتيش كولومبيا” للاعتقاد أن ما يتراوح بين 10 إلى 15 في المئة من الناس، لن تعود حياتهم كسابق عهدها، بسبب تأثير الجائحة على صحتهم النفسية.
وأظهرت دراسة أجريت في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن الجائحة كانت مرتبطة بتأثير نفسي خفيف بين البالغين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأفاد 30.9٪ بتأثير نفسي شديد، بينما شعر معظم المشاركين (45٪ -62٪) بالرعب أو القلق أو العجز بسبب فيروس كورونا. وأبلغ أكثر من 40٪ عن ضغوط متزايدة من العمل والأمور المالية.
ومن بين الفئات الأكثر ضعفاً اللاجئون وطالبو اللجوء والمشردون داخلياً وعديمو الجنسية ، وكثير منهم لا يعرفون ما إذا كان بإمكانهم إطعام أطفالهم ودفع الإيجار، وكانوا قلقين بشأن وضعهم القانوني غير المؤكد، وربما مروا بالفعل بصدمة.
المصدر _ المدن