سيريا برس _ أنباء سوريا
جاء البشير، عريان، من غير قميص يلقيه على وجه الشعب الذي ابيضت عيناه من الحزن يقول: إنَّ النظام السوري يعقد مؤتمراً للّاجئين في دمشق في 11 و12 تشرين الثاني/نوفمبر/ ربيع الأول، والذي يوافق اليوم. وإنَّ الصين وروسيا وإيران ولبنان والإمارات وباكستان وعًمان، ستكون من الدول المشاركة فيه.
وانتبه المراقبون إلى إن تركيا التي تؤوي أكبر عدد من النازحين لم تدعَ إلى هذه المكرمة الجلية، وهذه نكاية، والنكاية ليست من علم السياسة في شيء، وفطنوا إلى أن كثيراً من الدول التي دعيت إليه ليس فيها لاجئين، أو أن فيها سائحين سوريين أفراداً، مثل الصين وعمان وإيران وباكستان!
وانتبه كاتب هذه السطور إلى أنَّ ثمة دولاً غائبة كانت تدعى إلى مثل هذه المؤتمرات مثل ميكرونيزيا وأبخازيا، مما يشي بأن المؤتمر “عراضة”، أو مولد لأحد الأولياء الصالحين، مثل سيدي العريان أو سيدي الجوعان أو سيدي الفزعان، وليس من عادة سوريا العلمانية الاحتفال سوى بمولد الولي الصالح سيدي الرئيس.
وقد أطلق معاون الوزير الولي الصالح سيدي أيمن سوسان صفة اللاجئين على النازحين السوريين، وليس صفة أخرى مثل المغتربين أو الهاربين، أو الخائنين، أو المواطنين الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق، أو الذين أخرجتهم داعش، وقيل إنَّ المؤتمر يعقد بدعوة من روسيا الرؤوم التي تستعجل جمع غنائم الحرب، ولمّ شمل الذئب على الأغنام.
ذكّرنا الخبر بتحذيرات مفتي النظام أحمد حسون لأوربا من “الإرهابيين” السوريين، وكان قبلها قد توّعد أوروبا بعمليات انتحارية، ثم قال إنَّ تصريحه فُهم خطأ، فغفرت له أوروبا زلته، لأنها تعرف معدنه “الطيب” وليس من عادتها الغفران السريع، وخير الخطائين التوابون، ثم انضمت إلى المفتي أصوات علمانية من الأقليات النازحة، منها صوت ابنة شاعر سوري، وصوت شاعرة سورية وابنة شاعر أيضاً، وهما تكتبان الشعر الحديث، طالبت الأولى بمنع الآذان في سوريا بعد جريمة شارلي ايبدو، وكتبت الأخرى منشوراً على صفحتها تطالب أوروبا بإعادة كل سوري يُشتبه بتطرفه إلى حضن الوطن، يجب أن تعاقب أوروبا الشبهة في الرأي بعقوبة الإعادة وتسليم المشبوه “لذويه”، وهي تضمر في دعوتها نزعة أمنية موروثة، هي شبهة ماهر عرار، الذي سلمته كندا إلى سوريا حتى تستفرغ سريرته وعلانتيه.
الشعراء عادة يوصفون بالرقة والحنان لأنهم أمراء المشاعر، والرقة في الإناث أكثر من الرجال. وصف الشاعر عمرو بن الأهتَم المِنْقَري في بيته الشهير الرجال بالضيق، ولم يذكر النساء لأنهن أرقُّ من الرجال، فقال:
لَعَمْرُكَ ما ضاقَتْ بِلاَدٌ بأَهْلِهَا ولكنَّ أَخلاقَ الرِّجالِ تَضيقُ.
وقد ضاقت بالسوريين بلادهم، وضاقت بهم الأرض ذات الطول والعرض، من وراء فَعَلة الخير الأشاوس الذين يرفعون تقارير الوشايات ليقولوا لسادتهم الجدد: انظروا نحن مخلصون لكم وخدم أبرار. لقد حوَّل النظام نصف الشعب إلى مخبرين صالحين.
وانتشر منشورٌ فحلٌ مفحمٌ على صفحات الناشطين لسوري اسمه “أبو عمرو عجاج” يعيش في كرفانة في مخيمات الأردن سعيداً، وليس في بيت، ويعمل، والعمل كرامة، ويحظى بالخبز والكهرباء والماء والغاز مجاناً، وبنعمة الاتصالات، وكتابة رأيه على صفحات التوصل من غير خوف أو وجل، وبوسائل النقل، وأحفاده يذهبون إلى المدرسة والروضة، من غير خوف من قصف الطائرات الروسية الصديقة، ولا تخطفهم المليشيات الإيرانية، ولا تداهمه المخابرات سبع مرات في الأسبوع، ولا يعاني من حواجز تفتيش وعصابات تعفيش، ويسلم دينه ومعتقده من الشتم والإهانة، كما سلمت دنياه، ويرسل مالاً يفيض عنه لأسرته وأقاربه العالقين في زور الوطن، وهذا المال ينتفع به النظام أيضاً، فإن عاد، فمن سيغذي الخزينة السورية بالعملة الصعبة المحرّمة في سوريا.
أجمعت التحليلات على أن الدعوة يراد منها تعويم النظام، و”خلصت”، والتعويم يقصد به إنقاذ النظام من الغرق في الحب، والإيحاء للدول الأوربية الغنية أنَّ النظام بخير، وأنَّ المصالحة الوطنية شاملة وعامة وطامة، وأن الخلاف العائلي والمزاح انتهى، وحان أوان الجد وإعادة الإعمار والاستثمار والاستزراع والاستصناع، لكن روسيا الراعية للإرهاب عفواً للنظام، لم تفطن إلى أمور مهمة، و كان عليها أن تسارع إليها، كأن تضع طعماً في المصيدة، غير حُبّ حضن الوطن والحنين إليه، وقد مات الحنين بالسكتة القلبية، لأنَّ النظام دمّر أمكنة الحنين وناس الحنين، ولم يعد الوطن حضناً، الأمور التي يجب أن يبادر إليها الروس الرعاة هي:
– إزالة صور الرئيس المرعبة من الشوارع والدوائر الحكومية، فالأوربيون يحتفلون بعيد الهالوين يوماً في السنة وليس مثلنا في كل أيام السنة!
– إلغاء رسم الدخول، والأفضل استبداله برسم تدفعه الدولة للمواطن الذي أفزعته الجماعات الإرهابية، تعويضاً على الذعر الذي ناله منها، ولا بأس أن يكون رمزياً مثل مائة دولار تدفع بالعملة السورية على الحدود تشجيعاً للعودة، فلا أموال تعوّض النازح عن بيته أو تعزيّه عن أحبائه المفقودين.
– أن تدفع رأس النظام إلى خطاب كريم، يلقيه للشعب، لا تكون وراء زجاجة عطر أو نسر، وإنما دبدوب أحمر من عيد الفالنتين، ينكر فيه مقولة التجانس، وأنه كان يقصد التآنس لولا خطأ التصحيف المطبعي.
– أن تعين روسيا النظام بالغذاء والدواء والنار التي تدفئ وتطبخ وتنير، فتقصر من أطوال طوابير الانتظار على أبواب الأفران ومحطات الوقود التي باتت ترى من سطح القمر لطولها، أو أن تفكَّ أقفاص الانتظار على أبواب الأفران لأنها تشعر المقيم والنازح بالخزي والعار، وتثبّط النازحين عن العودة إلى حضن الوطن الذي بات يشبه المعتقلات النازية ومستعمرات العقاب.
– أن تشجّع النظام على إلغاء البطاقة الذكية، فتلغي رسومها المالية، أو تترك الشعب يعيش حياة طبيعية غبية من غير بطاقات.
– أن تفرج عن طل الملوحي مثلاً، وتجري معها مقابلات تلفزيونية تعرض فيها لوحاتها التشكيلية التي أبدعتها في سجون النظام الرائعة، وتروي قصص الحب والسلام بينها وبينها ملائكة السجون السورية، الذين كانوا يعملون مثل الممرضين والخدم في السجون الفارهة الباذخة.
– أن تقيل المذيعين السوريين الزومبي، وتستبدلهم بآخرين أقل إجفالاً ورعباً، ما دام النظام غير قادر على تغيير رؤساء الفروع الأمنية، فيسعد القول إن لم يسعد الحال.
– أن يدفع النظام البدل المالي للخدمة العسكرية للمجند العادي أو الاحتياطي، كما في كل دول العالم المحترمة، فالجندية عمل، وهو عمل وتضحية بالجهد والنفس، ويستحق تعويضاً وثمناً، وليس العكس، وأن يقتنع النظام بعد هذه الحرب أنَّ التعفيش ليس أجراً وثواباً.
– أن ينتوي الرئيس في خطابه الكريم من غير زجاجة عطر وراءه ولا يعوق ويغوث ونسرا، عدم الترشح إلى ولاية رابعة، فقد حان أوان فتح عيادة يداوي فيها عيون الشعب الكحيلة، والعودة إلى مسقط رأسه في القرداحة الوادعة التي تحفّها الأشجار، ويسكنها الأبرار، لكتابة مذكراته بجانب ضريح الولي الصالح سيدي الفطسان..!
الكاتب : أحمد عمر - زمان الوصل