لا تفرّق إسرائيل بين التوتر في الجبهة الشمالية مع حزب الله، والتصعيد “الخفيّ” مع إيران؛ خاصة في ظل اعتبارها سوريا ولبنان “جبهة واحدة”، ومروراً بالعناوين الرئيسية الأربعة التي تركز عليها أساساً الاستراتيجية الأمنية الإسرائيلية المُسمّاة “المعركة بين الحروب” حيث تتداخل فيها بيروت ودمشق وإيران؛ ألا وهي: المشروع النووي الإيراني، و”التموضع” في سوريا، ومشروع الصواريخ “الدقيقة”، وإزالة “تهديدات مباشرة”.
بالاستناد إلى ما يُنشر، اختارت إسرائيل مواجهة ما تسميها “التهديدات” بواسطة استراتيجية تركز على “هجوم جراحي” ضد وسائل قتالية وأرصدة أُخرى، في الأساس في الأراضي السورية، وفي حالات استثنائية في لبنان. منذ بداية “المعركة بين الحروب”، قررت إسرائيل المحافظة على هوامش أمان واسعة ضد احتمالات تصعيد تؤدي إلى حرب.. وضمن هذه الاستراتيجية، حرصت الدولة العبرية على عدم مهاجمة كل الأهداف “المهمة” في وقت واحد، بل تختار بعناية المقادير، والوتيرة، والقطاعات، والمخاطر.
الواقع، أن ثمة نقاشاً مكثفاً يدور الآن في أروقة إسرائيل الأمنية، إذ يتركز على تقييم إستراتيجية “بين الحروب” ونجاعتها في تحقيق أهدافها ذات العناوين الأربعة سالفة الذكر مع مرور السنوات.. هي تُقرّ بأهميتها، ولكنها تعتقد أنها باتت بحاجة لعوامل معزِّزة، بينها تفعيل العامل الدولي بطريقة مختلفة.
هذه الاستراتيجية تتعامل مع لبنان وسوريا وحتى إيران كوحدة واحدة.. خاصة أنه بعد خفوت شدة المعارك في سوريا، عادت إلى الجنوب اللبناني أغلبية مقاتلي “قوة الرضوان”، وحدة النخبة في حزب الله التي تحملت جزءاً كبيراً من عبء الحرب السورية، وفق تعبير المحلل العسكري لصحيفة “هآرتس” عاموس هرئيل.. كما وتدرس إسرائيل مراعاة العوامل الجديدة من قبيل الظروف الداخلية في لبنان الآخذة بالتعقيد وكذلك في سوريا وتداعياتها على الحالة الأمنية.
وبحسب قائد المنطقة الشمالية في الجيش الاسرائيلي أمير برعام، فإنه على الرغم من الأزمة الاقتصادية، لم يتخلَ الحزب عن توظيف موارد في هذه الوحدات، وأيضاً في مشروع الصواريخ الدقيقة. فيما تبرز صحيفة “إسرائيل اليوم” سعي “حزب الله” الى تطوير قدرات تتيح له إمكان المساس بإسرائيل عن طريق البحر.
وبسبب العوامل والمستجدات سالفة الذكر والتي سرّعتها جائحة كورونا -من وجهة نظر “الأمن القومي” الإسرائيلي- تستنتج صحيفة “معاريف” العبرية أن استراتيجية “بين الحروب” في إيران وما يخصّ نشاطها في سوريا ولبنان تشوّش وتعرقل لكن لا تمنع الحرب.
وتقول “معاريف” إن مشروع الصواريخ الدقيقة هو الجهد الإيراني لتطوير قدرة على توجيه ضربة نوعية ضد إسرائيل من الحلقتين الأولى والثانية المحيطة بها، بواسطة تزويد “حزب الله” بسلاح نوعي طويل المدى، ومن خلال تطوير قدرة إيرانية (أحياناً بواسطة وكيل) لاستخدام سلاح نوعي من سوريا والعراق وربما من اليمن وغيرها.
وعندما تتحدث إسرائيل عن مشروع الصواريخ الدقيقة، فإنه يشمل صواريخ بحرية، ومسيّرات هجومية، وصواريخ ضد أهداف بحرية وجوية؛ الأمر الذي يضع إسرائيل في مواجهة تحدٍّ مزدوج، وفق “معاريف”. أولاً، هو بحد ذاته يشكل تهديداً للجبهة الداخلية العسكرية والمدنية لا يمكن قبوله. وثانياً، إذا نجحت إيران في التمركز، وفي مشروع الصواريخ الدقيقة، فإنها يمكن أن تقدّر أنها أصبحت تملك أداة كبح تجاه هجوم إسرائيلي ضد مشروعها النووي.
وتزعم إسرائيل أن إيران و”حزب الله” اختارا استراتيجية “العناد” والاستمرار في ضخ المزيد من الموارد إلى هذه الساحات، معتبرة أنهما أظهرا قدرة على التكيف عندما نقلت إيران جهود تمركزها إلى عمق سوريا، وإلى غربي العراق، وخففت من ظهورها، وتغيرت جهود تسليح “حزب الله” جزئياً، بدلاً من تهريب السلاح عبر سوريا إلى إنتاجه وتحويله في أرض لبنان.
بعد مرور ستة أعوام على انطلاق “المعركة بين الحروب”، يشدد معهد دراسات “الأمن القومي” الإسرائيلي على أن حزب الله تزوّد بسلاح “دقيق” وسلاح نوعي آخر. صحيح أن جهد التمركز في سوريا لم يصل إلى المكان الذي أرادته إيران، لكن طهران لا تُظهر دلائل تشير إلى تخليها عنه؛ بل أنها باتت تتكيف مع المعركة السريّة الإسرائيلية وتظهر مرونة في الأسلوب والوتيرة.
ومن هنا، تتساءل إسرائيل بشأن الإستراتيجية المطلوبة في مقابل ذلك؟.. ويجيب معهد أبحاث “الأمن القومي” قائلاً إنه يتعين على إسرائيل أن تعد خياراً عسكرياً تحسباً لاحتمال استغلال إيران الوضع الاقتصادي والسياسي في الولايات المتحدة للقفز إلى السلاح النووي. ويتعين عليها المحافظة على حوار مكثف مع إدارة دونالد ترامب لمنع مفاجآت أو عدم اهتمام بالموضوع النووي، والبدء بحوار مع طاقم جو بايدن تحسباً لاحتمال فوزه.
لذا، ثمة دعوة إسرائيلية أمنية لإعادة فحص النهج. ينطبق هذا أيضاً على مشروع الصواريخ الدقيقة ل”حزب الله”. فعملية ضد مشروع الصواريخ الدقيقة في لبنان تخدم أيضاً استراتيجية المنع ضد المشروع النووي، وتزيل التهديد الذي يمكن أن يُعتبر كابحاً لإسرائيل من مهاجمة المشروع النووي، وفق المنظور الإسرائيلي.
ويدعو معهد “الأمن القومي” إلى التحول من “بين الحروب” إلى استراتيجية جديدة “تحت عتبة الحرب” بحيث تحدد هوامش أمنية واسعة في سوريا خاصة أن أهداف المعركة تغيرت مع مرور السنوات. بناء على ذلك، يجب تقليص مساحة الهوامش، وحتى المخاطرة بتجاوزها، وفق قوله.
الاستراتيجية الإسرائيلية المطلوبة تبدو أنها معدّلة ومعززة أكثر من كونها جديدة، ربما هناك مستويات إضافية من الحرية، مثل مواجهة محدودة أعلى من مستوى تركيز “المعركة بين الحروب الحالية”، لكن مع البقاء تحت عتبة الحرب.
الكاتب: أدهم مناصرة / المدن