خلال شهر حزيران/ يونيو 2022، سيَّر الجانبان التركيّ والروسيّ 8 دوريات مشتركة بقوامها الكامل الذي يضمّ 4 مدرعات عسكريّة من كل جانب بتغطية جويّة من مروحيتين عسكريّتين روسيتين. يُعادل هذا العدد ضِعْف المعدّل الشهري الذي يتراوح وسطيّاً بين 3 و5 دوريات شهرياً منذ انطلاق هذه الآلية كأداة لمراقبة تنفيذ بنود مذكرة سوتشي 2019، خاصةً البند المتعلّق بانسحاب عناصر حزب العُمّال الكردستاني من الشريط الحدودي بين سورية وتركيا إلى مسافة 30 كم جنوباً.
ويُلاحَظ أنّ هذا الارتفاع غير المسبوق في معدّل الدوريات المشتركة جاء تزامُناً مع تصاعُد احتمال شنّ تركيا عملية عسكرية جديدة ضد PKK ضِمن مناطق سيطرة “قسد”.
والدوريات التي تم تسييرها في حزيران/ يونيو، كانت ضِمن جميع المسارات الأربعة الأساسيّة المعتادة لها في الريفيْنِ الشرقي والغربي لمدينة عين العرب/ كوباني، وفي ريف الدرباسية، وفي ريف المالكيّة/ ديريك الشمالي.
وتوزّعت المسارات كما يلي: دوريّتان مشتركتان في منطقة “آليان” النفطية الحدوديّة التابعة لمنطقة المالكيّة/ ديريك شمال الحسكة، والتي تُعتبر منطقة انتشار رئيسيّة للقوات الأمريكيّة، ودوريّتان في منطقة الدرباسيّة وهما أوّل دوريتين مشتركتين في هذه المنطقة منذ بداية عام 2022، وأربع دوريّات مشتركة في ريفَيْ عين العرب/ كوباني الشرقيّ والغربيّ.
وفي 28 من الشهر ذاته، وبعد عدّة أيام من تسيير الدوريات المشتركة في منطقة المالكية/ ديريك شمال شرق مدينة الحسكة؛ استهدف الطيران المسيّر التركيّ آليتين عسكريّتين في قرية خان الجبل التابعة للمنطقة نفسها، كانتا تقلّان عناصر من حزب العُمّال الكردستاني وعمّالاً يوظّفهم لحفر الأنفاق في مناطق سيطرته في سورية والعراق.
ما يُميّز هذه العملية أنّها جرت في عُمق المنطقة الرئيسيّة لانتشار القوات الأمريكيّة في المثلث الحدودي بين سورية وتركيا والعراق؛ حيث لا يَبعُد موقع الاستهداف سوى 3 كم عن مطار قرية روباريا الزراعي الذي تتخذه القوات الأمريكيّة كنقطة عسكريّة تضمّ مهبط مروحيات عسكريّة ممّا يؤشّر على وجود تنسيق بين الجانبين لإنجاح العمليّة.
وبالنظر لموقع العمليّة التركيّة ومع التغيُّر الكبير في عدد وتنوُّع مسارات الدوريات المشتركة بين الجانبين الروسي والتركي خلال شهر حزيران/ يونيو 2022، يُمكن القول: إنّ هذه التغيرات تحمل عدداً من الدلالات والأهداف، وهي:
• إعادة التأكيد على الالتزام المُتبادَل من روسيا وتركيا بالدوريات المشتركة كأداة مراقبة لتنفيذ مذكرة سوتشي (2019)؛ خاصةً بعد التراجُع الملحوظ في ثقة الجانب التركي بفاعليّة هذه الأداة في الربع الأوّل من عام 2022 والذي ترجمته أنقرة بخفض معدّل تسيير الدوريات حينها مع زيادة عمليات الاستهداف الجوّي لقياديِّي وكوادر حزب العُمّال الكردستاني، والتهديد لاحقاً بعمليّة عسكريّة كبيرة تستهدف مناطق سيطرة “قسد”.
• ارتفاع مستوى التنسيق بين القوّات الأمريكية والتركيّة في إطار ملاحقة واستهداف عناصر وكوادر حزب العُمّال الكردستاني. قد يكون هذا التسهيل من واشنطن نتيجة رغبتها في الحيلولة دون شنّ أنقرة عملية عسكريّة شرق الفرات. وبالتالي، ضمان استمرار نظام وقف إطلاق النار شمال شرق سورية وَفْق مذكّرة سوتشي (2019).
بناءً على ما سبق، يُمكن الاعتقاد بأنّ العمليّة العسكريّة التركيّة المحتملة لن تطال مناطق شرق الفرات، في المدى القريب والمتوسّط على أقل تقدير، وقد تنحصر في مناطق غرب الفرات؛ أي تل رفعت أو منبج بدرجة أقل. ويُتوقّع أن تشهد الفترة المقبلة ارتفاعاً كبيراً في عمليّات الاستهداف الجويّ ضد PKK ضِمن جميع مناطق سيطرة “قسد”.
ورغم أنّ استمرار المعدّل المرتفع للدوريات المشتركة شرق الفرات، يصبّ حالياً في مصلحة روسيا وتركيا والولايات المتّحدة بدرجات مختلفة، إلّا أنّه يبقى عُرْضةً للتراجُع نتيجةَ تبدُّل موقف أحد هذه الأطراف على الأقل، فقد تتّخذ موسكو أو واشنطن موقفاً سلبياً حال قيام أنقرة بعملية عسكرية جديدة.
المصدر: مركز جسور للدراسات