تم نشر هذه المادة لصالح حملة “كانوا هنا” من ضمن مشروع “صوت العدالة”
نساء المختفين قسريا.. استغلال جنسي يلاحقهن ووصمة عار من المجتمع
لم تكن سناء (اسم مستعار) تعلم أن اختفاء زوجها المفاجئ في ظروف غامضة من ريف دمشق قبل تسعة أعوام، سيكلفها كل هذه المعاناة النفسية والاجتماعية، والتعرض لتحديات وصعوبات رافقتها طيلة تلك السنين، حتى بعد نزوحها من جنوب سورية إلى شمالها، لدرجة أن خروجها للبحث عن عمل بات يهدد سلامتها.
لم تخلُ السنوات التي عاشتها سناء وهي بعيدة عن زوجها المختفي قسريا أحمد (اسم مستعار) من الصعوبات المادية والنفسية والمضايقات ممن حولها، كما أنها لم تخلُ أيضا من مواقف الابتزاز ومحاولات الاستغلال من جانب الجنس الآخر تحديدا.
تروي سناء قصة فقدها زوجها الذي لم يمض عامان على زواجها منه وهي في سن الثامنة عشر، وتعلقها الشديد به كما تتعلق الطفلة بوالدها على اعتبار أنه يكبرها بعشر سنوات، إلى أن رزقا بطفل صغير، ما إن بلغ شهور قليلة حتى انتزع والده منه بطريقة مجهولة ليعيش الفقد مع والدته طيلة السنوات التسع التي بلغها حتى اليوم.
أشخاص شاهدوا أحمد لآخر مرة في بلدة جرمانا بريف دمشق الواقعة تحت سيطرة النظام السوري، أخبروا زوجته سناء بأنه كان يحمل سلة إغاثية استلمها للتو من أحد مكاتب التوزيع، في طريق عودته للمنزل، حيث اعترضته سيارة تقل أكثر من شخص، رجح من رآها تبعيتها للأمن السوري عندما رأوا العناصر وضعوا قميص أحمد فوق رأسه وأخذوه معهم، ولكن لم يتسنّ لهم أن يتأكدوا فعلا إن كانت السيارة تتبع للنظام أو لجهة أخرى مجهولة.
الأثر النفسي لاختفاء رب الأسرة على الزوجة:
نزل خبر اختفاء أحمد كالصاعقة على زوجته، وتسببت كثرة الدموع والحزن التي ذرفتها في كل ليلة قبل النوم وهو غائب عنها بمرض خطير في عينيها الخضراوين كاد يفقدها بصرها، ما دفع الأطباء للاستغراب من حالتها، فتاة بمقتبل عمرها وتصاب بانسداد فرع شرياني وهو أقرب ما يمكن تشبيهه بجلطة في العين!
حالة سناء المرضية الخطيرة والنفسية المتعبة لم تمنعها من مساعدة أهله بالبحث عنه في الأفرع الأمنية لدى النظام، إلا أنهم لم يتمكنوا من الحصول على أية معلومات تثبت وجوده حقا في مكان ما.
اضطرت سناء بعد قرابة العام للنزوح برفقة طفلها وعائلتها نحو مناطق الشمال السوري، لتعيش رحلة النزوح بكل تفاصيلها التي وصفتها بالمتعبة، وتبدأ مشوار الشقاء من جديد في مجتمع غريب عنها، وسط ظروف مادية صعبة واضطرارها للاتكاء على أخوتها ووالدتها في مصاريف طفلها الذي لم يتكفل أهل زوجها بمصاريفه، أو حتى الاستفسار عن حاله بعد هجرته مع والدته إلى مناطق ريف حلب الشمالي، حتى وإن أرادت التواصل معهم والاطمئنان عن أحوالهم ظنوا أنها تحدثهم من أجل طلب مال أو مصاريف حياته، ما دفعها لمقاطعتهم وهو الأمر الذي فضلوه واختاروه بأنفسهم، كما أخبرتنا.
أثر اختفاء الأب على الصغار في الطفولة المبكرة:
يأبى طفل سناء مع بداية نطقه للكلمات أن تغادر كلمة “أبي” ملافظه، فاتجه لمناداة جده بتلك التسمية، رغم محاولات إقناعه أنه ليس أباه بل جده، يكبر الطفل عاما بعد عام بعيدا عن حنان والده وحضنه، ولم يتسنّ لوالدته أن تشرح له قصة والده بطريقة يسهل استيعابها، فتخبره أن والده يعيش في غرفة مغلقة في مكان ما في هذا البلد، فيردد باستمرار سأخرج أبي من هذه الغرفة وأعاقب من قام بوضعه هناك.
استغلال جنسي تتعرض له سناء مقابل الحصول على عمل
اضطرت سناء للبحث عن عمل تستطيع من خلاله تأمين مستلزمات طفلها وتعتمد على نفسها لتخفف العبء عن عائلتها، إلا أنها كانت تتعرض في غالب الأحيان لمواقف صعبة تشعر فيها بالضعف وتتمنى وجود زوجها بجانبها وعدم وقوعها في تلك المواقف الاستغلالية.
تقول زوجة المختفي: تعرضت لثلاثة مواقف استغلال جنسي، أحدها من قبل مدير في منظمة كنت أود العمل معهم فأخبرني بأنه سيساعدني في الحصول على الوظيفة مقابل موافقتي على القيام بعلاقة جنسية معه، فابتعدت عن التقديم وتركت العمل.
وتكمل حديثها عن مواقف أخرى تعرضت خلالها للابتزاز الجنسي من شخص ما، فضلت عدم الكشف عن هويته، مقابل الحصول على سلة إغاثة، كما عرض أشخاص آخرون عليها المساعدة المادية مقابل الموافقة على الاستجابة لمطالبهم، رغم تأكيدها لنا بأنها حبذت عدم مخالطة الكثير من الناس ممن حولها، ولكن حاجتها للعمل عرضتها لتلك المواقف الاستغلالية الصعبة.
وفي مثل هكذا حالات، يعتمد الجاني على تقديم الإغراءات والعروض المادية التي تحتاجها الضحية مقابل متطلبات جنسية أو لإرضاء رغبات يفضلونها، حسث تسود لدى بعض أفراد المجتمع نظرة دونية للمرأة المطلقة أو المنفصلة أو التي اختفى زوجها، يعتقدون من خلالها أن هذه المرأة (من السهل الوصول إليها وتصيدها)، لأنهم على دراية وعلم بحاجتها المادية في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها السيدات ممن لا معيل لهن أو زوجاً يساندهن.
يعيش ذوو المختفين قسريا ظروفا غاية في الصعوبة، وتتكبد النساء معاناة تحمل متاعب مضاعفة من الفقد وآلامه والظلم من نظرة المجتمع للمرأة الوحيدة ووصمها بألفاظ عديدة، (هي زوجها معتقل بتقبل تكون زوجة ثانية أو ثالثة)، دون أن يقدر أحد الظروف القاسية التي مررن بها والآثار النفسية التي عايشنها.
توجه سناء رسالة، هي رسالة مئات بل آلاف الأخريات، حالهن كحالها، داعية لإحياء ملف المختفين والمعتقلين بعد أن كاد يطويه النسيان نتيجة سنوات النزاع الطويلة في سورية، والعمل على تحديد مصيرهم، إن كانوا لا يزالون على قيد الحياة أم لا، ليتحدد مصير نسائهم وأطفالهم الذين يعيشون حلم عودتهم، مع الأمل ألا يكون هذا الحلم مجرد سراب!
أميمة محمد: حرية برس