تم نشر هذه المادة لصالح حملة “كانوا هنا” من ضمن مشروع “صوت العدالة”
آثار نفسية واجتماعية واقتصادية يعاني منها ذوو المختفين قسريا لا تختص بفئة معينة دون غيرها إنما تقع على جميع أفراد الأسرة، الأمر الذي يجعلها تتسبب بمشاكل أسرية ومجتمعية عديدة تتفاقم في بعض الأوقات لتشكل ندبات عقداً نفسية تعود وبالاً على أصحابها، وتأبى أن تندمل رغم مرور الزمن، إذ لا تقتصر تداعيات جريمة الاختفاء القسري على الضحايا فقط، بل تمتد إلى عائلاتهم، التي ترزح تحت وطأة الفقدان والعجز والانتظار الطويل، في ظلِّ انعدام أية إجراءات قانونية يمكنهم اتباعها لمساعدة الضحية.
“غياب الاب عن المنزل يعني دماره بكل أجزاءه” بهذه العبارة بدأت فاطمة محمد حديثها عن أثر اختفاء زوجها “أحمد المحمد”، (اسم مستعار للمختفي) ، أثناء سفره إلى لبنان للعمل بمهنته في البناء دون أن تعلم شيئاً عن الجهة التي اختطفته.
في تاريخ 29 تشرين الأول/اكتوبر من عام 2013 وعلى الطريق الواصل بين حماة وحمص تم اعتراض القافلة التي تقله هو ومجموعة من الأشخاص في طريقهم للبنان وإنزاله من الحافلة دون معرفة السبب وجرى اقتياده إلى جهة مجهولة، مساء ذلك اليوم تلقت زوجته مكالمة هاتفية مفادها عدم وصول زوجها إلى لبنان مع القافلة التي نقلتهم هو وخمسة رجال من بلدات مختلفة.
غياب الآباء عن عوائلهم يُحدث شللا في جميع مفاصل الحياة الأسرية ويسبب مشاكل نفسية واجتماعية واقتصادية يصعب تجاوزها، تكون ذات أثر على العائلة، ذلك لأن الآباء هم عماد البيوت وأساس بنائها، فهم القائمون على رعاية عائلاتهم وتقديم قوتهم ومستلزماتهم.
وصفت “المحمد” نبأ اختفاء زوجها كأنه الصاعقة التي نزلت على مسامعها وعائلتها في الوقت الذي كثرت حالات الاعتقال التعسفية على أيدي قوات النظام السوري وطالت العديد من الرجال والنساء والأطفال، دون التفريق بين مدني وغيره، وبعد مرور بضعة أشهر على فقد الزوج وصلها خبر من أحد الأشخاص المفرج عنهم من فرع فلسطين في دمشق، وهو معتقل تابع لأحد فروع أمن النظام السوري، مفاده أن زوجها قتل في نفس المعتقل دون أي مؤشرات تؤكد ذلك، إذ أن النظام نفسه لم يعترف بوجود المختفي لديهم.
غياب الآباء عن عوائلهم يُحدث شللا في جميع مفاصل الحياة الأسرية ويسبب مشاكل نفسية واجتماعية واقتصادية يصعب تجاوزها، تكون ذات أثر على العائلة
وعن ردة فعل المجتمع على خبر وفاة زوجها غير المؤكدة تقول (المحمد): “حكموا عليَّ بالالتزام بعدة شرعية مدتها أربعة أشهر وعشرة أيام وأنا لست مقتنعة بوفاة زوجي أبدا وكلّي أمل أنا وأولادي بعودته يوما ما”.
ولم يقتصر الأمر على هذا، فقد تصاعد تدخل الأقارب في شؤون حياتها، وإطلاق الأحكام عليها بالتزام المنزل وأولادها، دون أن يشعروا بها على الرغم من رفضها المستمر لإقامة أي مراسم عزاء، ما جعلها تتعرض لصدمة نفسية أفقدتها الوعي بعد سماع المنادي ينادي اسم زوجها في المسجد داعياً الناس أن يصلوا عليه صلاة الغائب.
تعرضت عائلة المحمد لقرارات مجتمعية ظالمة كما وصفتها الأم، وذلك من قبل أقاربهم، كعدم السماح لها ولبناتها بارتداء ثياب جديدة أو ملونة أو زاهية واقصائها عن اتخاذ أي قرارات تخص أولادها كونها أرملة والشبهات تدور حولها على الدوام في نظر المجتمع ما يزعزع الثقة بقرارتها حسب اعتقادهم.
أحكام المجتمع ونظرته الدونية ألقت على كاهل الأم عبئاً قاسياً، ولم تقف الأمور عند هذا الحد فحسب، وإنما طالت ابنتها البكر أيضاً، حيث أجبرت على الزواج من ابن عمها بحجة “السترة” رغم رفضها ذلك الزواج إلا أن الأمر وقع رغما عن العائلة غير آبهين بكلام والدتها وتوسلاتها بأن لا يجبروا ابنتها على ذلك الأمر.
“لوكان زوجي موجود لما حصل ذلك “عبارة رددتها المحمد في حديثها مرارا، تقول: “غيابه جعل القريب والبعيد يطلق أحكامه علينا ونحن لا حيلة لنا سوى اطاعة الأوامر”.
الفقر وعدم القدرة على تأمين احتياجات العائلة الضرورية مع مرور الوقت إضافة للخوف من الظروف المحيطة ومظاهر الحرب وعدم الأمان في ظل غياب الأب و حمل الأم للمسؤولية كاملة، دفعها لتزويج ابنتها الثانية عند أول متقدم لطلبها رغم أنها لم تتجاوز الرابعة عشر من عمرها ظنا منها أن هذا الزواج سيخفف حمل المسؤولية عنها لتتفاجأ بعد ثلاثة أشهر من زواجها باستشهاد زوج الابنة بقصف لطيران النظام وروسيا على منزله لتعود ابنتها أرملة مع والدتها حالها كحال أمها الأربعينية، يزيد الأمر سوءا مشاكل الابنة الأكبر مع زوجها وتدخل الأقارب بإجبارها على القبول بواقع زواجها مرات عدة لتكون النتيجة في نهاية المطاف هروبها من المنزل الذي طال أكثر من سنة دون معرفة أي خبر عنها حتى اللحظة بحسب والدتها، ليكون سبب كل هذه التحديات غياب الأب والسند.
تحديات أخرى تواجه أسر المختفين قسرا من صعوبة تأمين متطلبات الحياة وعدم وجود أي جهة داعمة لهم ما يجعل أغلب العوائل تعتمد على عمل المرأة، أو عمالة الأطفال، حالهم كحال عائلة المحمد إذ تعتمد في تأمين لقمة عيشها على ابنهم البالغ من العمر اثني عشر عاما بعد تركه للدراسة ليكون الرجل الصغير للعائلة بعمله في نقل الحجارة وتكسيرها وما تحمله هذه الأعمال الشاقة من صعوبة عرضته لخلع في الكتف.
يعاني ذوو المختفين قسرا من مشاكل نفسية كثيرة كاليأس، الخوف، الكآبة والعزلة بالإضافة لمشاكل نفسية واضرابات من القلق وغيرها والتي تعود على ذوي المختفي بمضاعفات سلبية كبيرة، كما يزيد حال التهجير الوضع سوءا لذوي المختفين وبالأخص بعد اتخاذهم مخيمات شمال ادلب مأوى لهم، وهي تفتقر لأدنى مقومات الحياة في ظل غلاء وخوف من مجهول قادم يقع عبئا على أسرهم.
يعاني ذوو المختفين قسرا من مشاكل نفسية كثيرة كاليأس، الخوف، الكآبة والعزلة بالإضافة لمشاكل نفسية واضرابات من القلق
وفي هذا الصدد توجه “المحمد” رسالة للعالم أجمع مطالبة الناس أن يشعروا بمصابهم وأن يقفوا بجانبهم معنويا وماديا وأن ينقذوا أطفالهم من الضياع بعد غياب المعيل وأن يدعموا وجود محاكم عادلة تساعد في الكشف عن مصير المختفين قسرياً.
ووفقا لتقرير صادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن جميع أطراف النزاع والقوى المسيطرة مارست عمليات واسعة من الاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري للمواطنين السوريين على خلفية النزاع المسلح.
سلام زيدان _ حرية برس