يقال إن المعادلات القائمة على الأرض لا تتغير فجأة بل هي بحاحة لأحداث غير عادية لتغييرها.
وكأن المسألة السورية كانت بحاجة لحدث كبير لنفض الغبار عنها أو إخراجها من بين يدي الدب الروسي الغبي والقوي والمفترس، أو في أحسن الأحوال من التعفن الذي أصابها بفعل اكتفاء المتدخلين بالحصص التي غنموها وعدم استعدادهم لا للتخلي عن حصتهم ولا منافسة الآخر على حصته، ولا البحث عن نقطة التقاء تجمع تلك المصالح تؤدي لإبرام تسوية باتت أكثر من ضرورية لسورية وللسوريين.
حيث لا ضوء في نهاية النفق، بل ظلام دامس يغطي المشهد المتجه نحو التشظي الجغرافي والسكاني بحيث تبدو سورية التي نعرفها (التي منّ علينا الاستعمار الغربي بها) حلماً جميلاً من احلام اليقظة أو حتى الخيال.
ساد المشهد الدولي التالي قبل بدء الغزو الروسي الأخير لأوكرانيا.
1- أزمة دولية كبرى افتعلها الرئيس الروسي ويتنمر بها على الغرب كله، ويحشد القوات بحيث يهدد بالقول والفعل.
كان التراخي أو الخوف الأوربي بادياً للعيان وكان الموقف الأمريكي باهتاً وضعيفاً يعكس صورة الرئيس الأمريكي الحالي (الذي لا يمر يوم إلا ويتم اتهامه بالشيخوخة والضعف والغفو الشخصي مع الضيوف).
كان الدب الروسي يتبختر كطاووس ولكن بعيون وجناحي نسر جارح سينقض على فريسته الأوكرانية سواء رضي الغرب أم لم يرض، وكان طبعاً يتوقع الاستجابة لطلباته الأمنية التعجيزية دون قيد أو شرط، وبعدها سينطلق إلى أن يصل الى جدار برلين رمز سقوط الإمبراطورية السوفياتية.
كان النصر البوتيني المتوقع من أغلب المراقبين سيعني بالضرورة أن روسيا أصبحت قطباً عالمياً له قراره الدولي في عالم متعدد الأقطاب، وسينعكس فائض قوته وأشعة انتصاراته على المشهد السوري الذي سينعكس بالضرورة على حليفه النظام السوري.
2- كانت اللامبالاة الغربية والأمريكية خصوصاً تجاه التنمر الروسي في أوربة ينعكس باهتمام وجدية في إتمام عودة واشنطن للاتفاق النووي، وكان الخوض قد بدأ في ربع الساعة الأخيرة من المفاوضات بقي 10 أو 15% ممكن التوافق عليها.
وكان نظام الملالي يستفيد من جو الصراع الغربي مع الروس ورغبتهم بإطفاء أو تجميد الجبهة الإيرانية للتفرغ للخطر القادم من الشرق، كان نظام الملالي يتشدد بطلباته للحصول على أقصى ما يمكن.
التوقيع القريب كان للاتفاق النووي كان يلقي بظلاله على المشهد السوري حيث تعد إيران الحليف الاول أو الرئيسي للنظام السوري، وإن أي اتفاق قريب سينعكس على النظام الإيراني وأذرعه بتدفق المليارات المجمدة وابتلال العروق المالية الجافة للحرس الثوري الإيراني وأذرعه، وتعويم النظام الإيراني ودمجه بالمجتمع الدولي وكل ذلك سينعكس بالتأكيد على النظام السوري بدعمه بكل أنواع الدعم وإخراجه من مآزقه الحالية المعروفة.
حدث مالم يكن متوقعاً، فغزا الدب الروسي أوكرانيا (ويبدو أنه وقع بفخ نصب له بعناية)، وبدأ بسرعة أكبر من سرعة الضوء فرض العقوبات عليه، وتبين أن تلك العقوبات ليست عقوبات اقتصادية كالتي تم فرضها أعقاب ابتلاع بوتين لشبه جزيرة القرم أو مشددة أكثر بل إنها تستهدف تدمير الاقتصاد الروسي لإخضاعه سياسياً وكسر أنيابه العسكرية، بل والتخلص منه إن أمكن بربيع روسي يطيح به يأتي بيلتسين آخر.
وبالتالي لم تعد مفاوضات فيينا تلقى أية أهمية أمريكية وغربية حيث تم تفجير منصة 5+1 التي أضحى الفريق الواحد الذي يفاوض إيران، هو بحاجة لمن يتوسط لجمعه، لأنه في حالة الحرب التي نتابعها يومياً والمرشحة للكثير من التأزم، وخسرت إيران فرصة التوقيع في ذروة الصراع السابق، وبمجرد بدء المعركة العسكرية وتوجه الجهود والأنظار لمواجهتها لم يعد الغرب يلتفت لمنصة فيينا الميتة، التي حرمت إيران من تدفق المليارات المجمدة وأبقتها تحت مقصلة العقوبات الأمريكية.
إزاء الرغبة الغربية الظاهرة الآن بمحاصرة النفوذ الروسي وكسر أذرعه الخارجية، والذراع السوري أهمها، الذي جسدها سياسياً بتأييده لقرار الرئيس الروسي الاعتراف باستقلال جمهوريتي الدونباس ومن ثم التصويت من ضمن أربعة أنظمة مارقة بتأييد الغزو الروسي في ظل اعتراض أغلبية دول العالم عليه ونأي بعضها بنفسها بعدم التصويت.
يبدو أن قراراً أمريكياً بدأ يتبلور بوضع خطط لتحجيم أو استئصال النفوذ الروسي في العالم ومايهمنا سورية الآن.
حيث شكلت بروباغاندا المناورات العسكرية الروسية بحضور وزير الدفاع نفسه قبل انطلاق الغزو الروسي لأوكرانيا بيومين، أحد أوجه القوة العسكرية الروسية في جنوب أوربة وفي الشرق الأوسط الهام والضروري لتزويد أوربة بالطاقة فيما إذا قررت موسكو قطعها أو قررت الدول الغربية الاستغناء عنها، أو فرضت المجموعة الغربية عقوبات بحظرها على النموذج الإيراني.
تشكل المعارضة السورية (المسلحة والعسكرية) رأس حربة فيما إذا تم المضي بخطط لإسقاط النظام السوري أو تفعيل حرب استنزاف تستهدف بالدرجة الأولى القاعدتين البحرية والجوية لروسيا في سورية.
استقبلت الخارجية الفرنسية وفداً من الائتلاف الوطني وبحثت معه الملف السوري، وأخذ دعوة المبعوث الأمريكي للملف السوري غولدرتش ودعوته تركيا للمرة الثانية بعد حضورها اجتماعات المجموعة المصغرة لأصدقاء الشعب السوري في كانون الأول من العام الماضي ببروكسل.
ولا أرى أن الإعلان الأمريكي عن شهر آذار الجاري كشهر لتفعيل المحاسبة ضد النظام السوري صدفة، إنما يصب ضمن خطة أمريكية ويمكن أوربية للتضييق على حليف الروس الأول في الشرق الأوسط.
هذا الاهتمام الدولي (المفاجئ) في المسألة السورية يجب الاستفادة منه والتقاط اللحظة التاريخية لرفض كل ماهو روسي بوتيني بالعالم.
المطلوب من المعارضة السورية:
- إجراء إصلاحات بنيوية صميمية وتغيير الوجوه القديمة التي لم تقدم شيئاً ولا تحظى بأي قبول شعبي، لمحو الصورة الباهتة التي لازمت تلك المعارضة في السنوات السابقة.
- رفع مطلب تحرير سورية من قوى الشر الدولي التي تحتلها (روسيا وإيران) والتأكيد أن العدو واحد للسوريين والعالم الغربي الذي يواجهه الآن.
- لإلحاح والطلب من المؤسسات الأمريكية تنفيذ تعهداتها المختلفة وأهمها ما ألزمت نفسها به في شهر المحاسبة وذلك بإحالة ملفات النظام والاحتلالين الإيراني والروسي في سورية للمحاكم الدولية أسوة بما هو جار العمل عليه في القضية الأوكرانية.
لا شك أن الغزو الروسي لأوكرانيا شكل نقطة انعطاف هامة بمسار المسألة السورية سينعكس إيجاباً على الثورة السورية والشعب السوري عموماً، لأن النظام السوري الغاشم هو في حلف الجواد الخاسر الذي سيخسر السباق في الحلبة الدولية الجارية الآن.
باسل معراوي _ نينار برس