قد يكون من المثير للسخرية بالنسبة للبعض، أن نقارن بين “السقوط” المحتمل لرجل الأعمال السوري، خضر علي طاهر، المعروف بـ “أبو علي خضر”، وبين إعلان “إفلاس” لبنان، من زاوية التأثير على الاقتصاد السوري. لكن سيُصدم قارئ هذه السطور، إن قلنا له إن “سقوط أبو علي خضر”، إذا تأكد، سيكون أكثر تأثيراً بكثير، من إعلان “الإفلاس” الذي تم نفيه رسمياً، في لبنان. فالأول يمثّل حدثاً مستجداً قد يترك تداعياته السريعة في الداخل السوري. فيما الثاني، حتى بعد نفيه، مجرد إقرار لواقعٍ قائمٍ منذ أكثر من سنتين، تأقلم معه-سلفاً- اللبنانيون وكذلك السوريون ممن يملكون مصالح متشابكة مع الاقتصاد اللبناني.
وفيما الحدث الأول، ما يزال غير مؤكد، إلا أنه قد يحمل معاني ترتبط بصراعٍ ذي بعد اقتصادي، بين ماهر الأسد، قائد الفرقة الرابعة بـ “الجيش السوري”، وبين شقيقه، رأس النظام، بشار الأسد. فـ “أبو علي خضر”، هو أبرز واجهة لأعمال الفرقة الرابعة، ولسطوتها على قطاعات حيوية في الاقتصاد السوري. وإن كان من المبكر جداً، الجزم بصحة ما يتم تداوله محلياً حول سبب تواري “أبو علي خضر” عن الأنظار، بالتزامن مع حملة أمنية طاولت رجالاً مقرّبين منه، وفي مقدمتهم، صهره، وذراعه اليمنى، إيهاب الراعي. إلا أنه، في حال صحت تلك الأنباء، فهي تعبّر عن بدايات معركة “كسر عظم”، بين الشقيقين في رأس هرم النظام، تتعلق بالصراع على موارد الدخل الشحيحة في الاقتصاد. إذ يضع ماهر الأسد يده على معظم تلك الموارد “غير المشروعة”، من ترفيق وتهريب وتجارة مخدرات، إلى جانب كثيرٍ من النشاطات الاقتصادية “المشروعة”.
وبالانتقال للحدث الثاني، فقد أُريق الكثير من حِبر “المحللين” عبر الإعلام السوري، المعارض والموالي على حدٍ سواء، في تحميله أكثر مما يحتمل، وصولاً إلى توقعات بانهيار “مدوٍ” لليرة السورية، وتضخم مُضاف لأسعار السلع في سوريا.
لكن، حتى ساعة كتابة هذه السطور، لم يُلحظ تأثير يُذكر على سعر صرف الليرة السورية، باستثناء تراجع محدود ضمن هامش أقل من 1%، في اليومين الأخيرين. وهو تراجع يمثّل استمراراً لحالة التذبذب التي حكمت تحركات سعر الصرف منذ بدء الحرب الروسية – الأوكرانية. فأسواق الصرف في سوريا، لم تقرأ الجدل حول “إعلان الإفلاس” في لبنان، بإعتبار أنه يغيّر شيئاً في معادلة الوضع الاقتصادي الراهن هناك.
والاقتصاد السوري كان قد تلقى، بالفعل، نصيبه الكبير من صدمة الانهيار الذي ألمّ بالاقتصاد اللبناني، وبالقطاع المصرفي منه بالتحديد، منذ العام 2020. ومنذ ذلك الوقت، تأقلم التاجر السوري مع الواقع الجديد في لبنان. كما وتأقلم المودعون السوريون، مع حقيقة تضاؤل الأمل في استعادة كامل إيداعاتهم من البنوك اللبنانية، ومع القيود التي فُرضت على سحوباتهم من تلك الإيداعات.
وإن كان من أثرٍ محتملٍ يرتبط بارتفاع تكاليف الاستيراد عبر لبنان، فإن التاجر السوري يملك من الخبرات والعلاقات ما يؤهله لإيجاد بدائل أقل كلفة، كما أثبت في تجارب عديدة مشابهة، وذلك كي يتجنب الخسارة في السوق السورية جراء استمرار تدهور القدرة الشرائية للسوريين، وعدم قدرتهم على تحمل ارتفاعات أخرى في أسعار السلع.
لكن، ما لا يستطيع التاجر السوري تجنبه، هو تلك القيود الزمنية والتمويلية، التي يفرضها مصرف سورية المركزي، على نشاطاته، بقصد ضبط سعر الصرف. تلك القيود هي السبب الرئيس في قفزات الأسعار غير المسبوقة من حيث النسبة، في سوريا، خلال الأسابيع القليلة الفائتة. إذ إنها لا تتيح للتاجر مرونة التأقلم مع ارتفاع تكاليف الشحن، ومشكلات التوريد، الناتجة عن التداعيات الاقتصادية للحرب الروسية – الأوكرانية.
فعملية استصدار إذن استيراد في سوريا، بات يتطلب نحو ثلاثة أشهر، يخسر خلالها المستورد فروق سعر الصرف بين تاريخ تقديم طلب الاستيراد، وتاريخ صدور الموافقة. ناهيك عن شهر إلى شهرين، وصولاً إلى تخليص البضاعة المستوردة جمركياً وبيعها في الأسواق المحلية. هذه الخسارة يتم تحميلها للمستهلك النهائي، مما يجعل قفزات الأسعار بسوريا، أعلى من البلدان المجاورة، بصورة لا تسمح بإرجاعها للتداعيات العالمية للأزمة بأوكرانيا.
وفيما يتم الحديث عن تداعيات مزعومة لـ “إعلان إفلاس” لبنان -الذي تم نفيه-، تظهر تداعيات سياسات المركزي السوري، التقييدية، جلياً في أسعار السلع في سوريا، التي قفزت خلال أسابيع فقط، بنسبٍ تتراوح ما بين 30% إلى 100%، باختلاف السلع. في الوقت الذي يستقر فيه سعر الصرف، نسبياً.
وبانتظار، انقشاع غبار الغموض حول مصير “أبو علي خضر”، وتداعيات تغييبه عن المشهد الاقتصادي السوري، من غير المنتظر، أن يعاني السوريّ مما يحدث في لبنان المجاور. فسبب فاقَتِه يرتبط، بصورة أساسية، بسياسات الحفاظ على “الاستقرار النظري” لليرة السورية، أكثر مما يرتبط بالتأثيرات الخارجية.
إياد الجعفري _ المدن