إفادة حمل مزيّفة تكفي… كيف يتحايل سوريون على القانون لتثبيت زواج غير قانوني؟

اتفق عبد الله (32 عاماً)، مع زوجته وذويها، على أن تقوم برفع دعوى قضائية لتثبيت زواجهما في المحكمة قبل أن يتم زفافهما، لتكون هذه الدعوى وكأنها واحدة من تحضيرات الزواج، وقد تم الأمر بسرعة، ولم تحتَج الدعوى إلى فترة طويلة أو لأوراق ثبوتية معقدة؛ فقط تقرير طبي يثبت أن الفتاة حامل في شهرها الرابع، يُرفَق بطلب الدعوى، فينظر القاضي الشرعي في الأمر ويبتّ فيه سريعاً، وقد لا يحتاج الأمر إلى أكثر من جلسة واحدة، بعكس كل القضايا الأخرى.

الحمل الزائف

فرّ عبد الله من الخدمة العسكرية الإلزامية في العام 2018، ليستقرّ بالقرب من عائلته، وكبر مع الحرب الدائرة في سوريا من عام 2011، وفيها. عندما بدأت كان عمره 21 عاماً، ولم يكن يفكر في الزواج قبل أن تنتهي، لولا إصرار والدته على أن تكون له عائلة، فقد مرت سنوات ولم يظهر ولو تلميح صغير يشير إلى إمكانية انتهاء الحرب، وحين تقدّم لخطبة الفتاة التي يحب، كان سؤال ذويها الأول عن خدمته العسكرية، إذ كيف سيتم تثبيت الزواج ومن ثم تسجيل الأطفال لاحقاً في الدوائر الحكومية، طالما أن العريس فارّ من الخدمة الإلزامية، وتالياً هو قانوناً مدان بجرم “الفرار”، الذي يُعاقب عليه بالحبس، ولن يتمكن في مثل هذه الحال من دخول أي دائرة رسمية خشية اعتقاله بهدف تقديمه إلى القضاء؟

يقول عبد الله في حديثه إلى رصيف22: “بعد استشارة ذوي القربى ومحامين، تم الاتفاق على أن يكون ثمة “كتاب شيخ”، يُعقد فيه القران الشرعي، ومن ثم تتقدم العروس بدعوى تثبيت زواج، ومن الأوراق المعجلة في البت في مثل هذه الدعوى، أن ترفق العروس تقريراً طبياً صادراً عن أي طبيبة أمراض نسائية، يقول إنها حامل، وكلما ازدادت مدة الحمل كلما اقتنع القاضي بضرورة تثبيت الزاوج بينهما من دون الحاجة إلى التثبت من صحة الحمل عبر إحالة المدعية إلى الطبابة الشرعية”.

الحال نفسه عاشته مروة (27 عاماً)، حين تقدم عمّار لخطبتها، وهو متخلف عن الالتحاق بالخدمة العسكرية. تقول لرصيف22، إنها ناقشت موضوع تثبيت الزواج مع حبيبها قبل أن تفاتح أهلها بالأمر، وقد كانت تتخوف من رفض ذويها لتثبيت الزواج من خلال رفع دعوى قضائية، فالغالب أن هذه الدعاوي كانت تُستخدَم في حالات لا يرضى عنها المجتمع مثل “الزواج السري-الزواج العرفي”، لكنها تمكّنت من إقناعهم، وعبر عمها الأكبر بوصفه “ولي أمرها”.

بعد وفاة والدها تم الأمر، إذ رافقها عمّها إلى عيادة طبيب نسائي تربطه به علاقة صداقة ليحصلا على تقرير طبي يقول إنها حامل في الشهر الرابع، وتضيف الفتاة التي مرّ على زواجها خمس سنوات من دون حدوث حمل: “في حال طلب القاضي إحالتي إلى طبيب شرعي ليتأكد من الحمل، لاكتشف أني عذراء، بل وأعاني من مشكلات في الرحم تمنع حدوث الحمل أساساً. ربما حينها سأكون متهمةً أنا والطبيب بالتزوير على أقل تقدير، لكن القضاة اليوم يعرفون أن هذه الدعاوى تتم بالاتفاق بين الطرفين لتثبيت زواج لا يمكن أن يتم بشكل قانوني إلا من خلال هذه الطريقة”.

قوننة الممنوع

بالرغم من القيود التي وضعتها الحكومة السورية قبل عامين على الزواج خارج المحاكم (كتاب الشيخ)، ورفع سنّ الزواج، فإن ذلك لم يمنع زواج القاصرات، إذ غالباً ما يتم الأمر من خلال دعاوى تثبيت الزواج أيضاً. يقول أسامة، الذي تزوّج من فتاة عمرها 16 عاماً، لرصيف22: “أعيش مع والديّ، فأنا وحيدهما الذي وُلد بعد ست بنات كلهن تزوجن. مع بلوغي سن الـ21 قرر أبي أن يزوجني، وهنا بدأت والدتي باختيار الأنسب من فتيات العائلة، وبالطبع كان من الضروري أن تكون أصغر مني بسنوات عدة، واستقر الأمر على أن أخطب ابنة خالي التي تدرس في ثانوية شرعية. الأمر بالنسبة إلى أمي حقق شروطاً عدة فهي صغيرة ومتديّنة وتقربني بشكل مباشر، وهذا سيعني أنها ستكون زوجةً صالحةً وقد تمت مراسم الخطبة والزواج خلال شهرين فقط”.

يشرح أسامة أكثر: “لم يكن من الصعب الوصول إلى شيخ يقبل بعقد قران خارج أطر المحكمة الشرعية، بالرغم من أن الأمر ممنوع، فأحد أقاربي إمام مسجد في حي دمشقي، وكان الاتفاق مع خالي قائماً على أن نقوم بتثبيت الزواج من خلال دعوى قضائية، وتم الأمر سريعاً بعد أن حصلت زوجتي على تقرير من طبيبة نسائية تراجعها كل نساء العائلة تؤكد فيه حملها في الشهر الثالث، وبعد أيام حدث الزواج القانوني من دون حاجة إلى تحاليل ما قبل الزواج، أو الوقوف عند عمر العروس”.

الحكاية بالنسبة إلى خالد، مختلفة تماماً، إذ قرر وذوو زوجته أن يكون تثبيت القران بعد إتمامها السن القانونية، فلا حاجة إلى الأمر الآن، وإذا ما تم الإنجاب فسيكون تسجيل الأطفال سهلاً من خلال دفع الغرامات المالية المترتبة على التأخير، وفي هذه الحال سيكون عليه أن يحاول تأجيل الإنجاب، فبعد مرور عام على عقد قرانهما، لا تزال زوجته في أواخر عامها الـ15 فيما هو في الثانية والعشرين، وكلاهما ما زالا صغيرين ومن حقهما أن يعيشا حياتهما الجميلة كما يقول، وربما في سن الثامنة عشر يمكن أن يسمح لها بالحمل، وليس الأمر متعلقاً بمخاوف صحية عليها لصغر السن، فهي من وجهة نظره كغيرها من النساء، “بمجرد بلوغها يمكن أن تحمل”، والبلوغ هنا بالنسبة إليه بيولوجي فحسب، أي مع بدء العادة الشهرية لديها كبقية النساء.

التحايل “الشرعي”

في القانون السوري لا يجوز زواج من لم يُتمّ الثامنة عشر من عمره للجنسين، ولا يُخرَق هذا الشرط إلا بموافقة الولي، وقد منع التعديل الأخير لقانون الأحوال الشخصية ولي الفتاة من تزويجها من دون موافقتها الصريحة حتى ولو كان ثمة وكالة موقعة منها، ويشترط القانون أوراقاً هي “بيان قيد للزوجين وتقرير طبي يثبت خلوهما من الأمراض وموافقة زواج للعسكريين المتطوعين (غير المجندين إلزامياً) وموافقة من وزارة الداخلية في حال كان أحد الزوجين أجنبياً”، لكن هذه الثبوتيات لا تُطلَب في حال دعوة تثبيت الزواج المثبت بحمل ظاهر، وهذا سبب لجوء من يرغب بتجاوز القانون أو الالتفاف عليه إلى “دعوى تثبيت الزواج”.

يقول أحد المحامين الذين تواصل معهم: “يعود قرار الاحتكام إلى تقرير طبي لتقدير المحكمة التي تنظر في الدعوة. هناك قضاة يصرون على أن يكون التقرير بثبوت الحمل صادراً عن مشفى حكومي، وهناك قضاة يكتفون بإقرار الزوجين لوقوع الزواج ليتم تثبيته، لكن في حال زواج الفتاة القاصر يشترط أغلب القضاة وجود حمل ظاهر أو حدوث ولادة ناتجة عن الزواج ليتم تثبيته، والحمل الظاهر يتم إقراره من خلال تقرير طبي يؤكد وجوده، وفي حال لم يكن هناك حمل ولجأ الزوجان إلى الإقرار أمام القاضي بوقوع الزواج، فله أن يقرّ الزواج ويقرر تعليق العمل به حتى بلوغ القاصر السن القانونية”.

وفي ما يخص العسكريين الفارين من الخدمة الإلزامية أو المتخلفين عنها، يؤكد المحامي الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن “إقرار وكالة لمحامٍ تكفي لينوب الأخير عن موكله في إجراء تثبيت الزواج، ولكون تثبيت واقعة الزواج لا يطلب بيان وضع للخدمة الإلزامية أو صورةً عن السجل العدلي (تُعرف شعبياً بورقة غير محكوم)، فإن القاضي لا يلتفت إلى هذه المسألة، وهذا ما يُسهّل حالات تثبيت مثل هذه الحالات من الزواج”.

التحايل على القانون بـ”دعوى تثبيت الزواج”، سهّل على الكثيرين عملية زواجهم بالرغم من أنهم مطلوبون أمنياً بجرم “الفرار من الخدمة الإلزامية”، أو جنحة التخلف عن أدائها، علماً أن الشاب السوري مُجبَر على خدمة عسكرية مدتها ثمانية عشر شهراً حين إتمامه سن الثامنة عشر، إلا في حال أجّل خدمته للأسباب الموجبة أو أُعفيَ منها للشروط المقرّة قانوناً، في حين أن هذه الدعوى (تثبيت الزواج)، تساعد على خرق القوانين بالقانون نفسه، ليتم تزويج القاصرات في مجتمع ما تزال شريحة واسعة منه ترى “زواج البنت سترةً”، ولا تجد مانعاً في تزويج الفتاة ما أن تبلغ بيولوجياً.

محمود عبد اللطيف _ رصيف 22

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار

سوريّات في فخ “تطبيقات البث المباشر”..بين دعارة إلكترونية واتجار بالبشر

يستقصي هذا التحقيق تفشي “تطبيقات البث المباشر” داخل سوريا، ووقوع العديد من الفتيات في فخ تلك التطبيقات، ليجدن أنفسهن يمارسن شكلاً من أشكال “الدعارة...

ابتزاز واغتصابٌ وتعذيب.. سوريون محاصرون في مراكز الاحتجاز اللّيبية

يستقصي هذا التحقيق أحوال المحتجزين السوريين في ليبيا خلافاً للقانون الدولي، وانتهاكات حقوق الإنسان داخل مراكز احتجاز المهاجرين، وخاصة تلك التي تتبع “جهاز دعم...

كعكةُ “ماروتا سيتي” بمليارات الدولارات

آلاف الأسر تتسوّل حقّها بـ"السكن البديل" على أبواب "محافظة دمشق" يستقصي التحقيق أحوال سكان منطقة المزة – بساتين الرازي في دمشق، بعد تهجيرهم من بيوتهم...

معاناة اللاجئات السوريات المصابات بمرض السرطان في تركيا

تصطدم مريضات السرطان من اللاجئات السوريات في تركيا بحواجز تمنعهن من تلقي العلاج على الوجه الأمثل، بداية من أوضاعهن الاقتصادية الصعبة والاختلاف في أحقية...

خدمات المساعدة القانونية المجانية للاجئين السوريين في تركيا

غصون أبوالذهب _ syria press_ أنباء سوريا الجهل بالحقوق القانونية للاجئين السوريين في تركيا يقف حجر عثرة أمام ممارسة حقهم بالوصول إلى العدالة، ويمنعهم...
Exit mobile version