syria press_ أنباء سوريا
يوم الخامس من كانون الثاني – يناير، كانت دول الخليج تطوي صفحة الخلاف الذي استمر ثلاث سنوات، تخللّها حصار قاس على دولة قطر، لكن الصفحة الجديدة تفتح على أسئلة من صلب تصريحات جهات مسؤولة في أكثر من عاصمة خليجية، فهناك إشارات على حق كل دولة بالاحتفاظ بموقف حيال قضايا تقارب مصالحها أو رؤيتها السياسية، وهي مسألة طبيعية بعد رضوض استراتيجية سببها الخلاف.
استراتيجيا، يمكن تقدير أثر إيجابي للمصالحة الخليجية، على اعتبار أن ملف إيران ـ وهو الأعقد ـ سيكون الحاضر الدّائم على طاولة بحث المتصالحين، وبالتالي فإن أي ضغط لإضعاف نفوذ إيران في المنطقة سيلاقي أثره في سوريا، كما أن المرحلة القادمة تتطلب تماسكاً لتخميد التوترات بانتظار استحقاقات مهمّة منها مونديال 2022 في قطر، ورؤية 2030 في السعودية، أضف إلى سعي الدول ومنها الإمارات لمرحلة تعافي أسرع من الأثر الاقتصادي الذي خلفته جائحة كورونا.
مع ما سبق، فالموقف ليس مرشحاً لتطورات ملفتة كما هو واضح لقراءة أثر هذه المصالحة في الملف السوري، والسبب يعود لوجود خلل بنيوي لعبت دورا واضحا فيه سياسية القوى الداعمة للمعارضة السورية، ففي الوقت الذي دعمت فيه الرياض قسماً من المعارضة، إلا أن العواصم المتحالفة معها كانت قد تقدمت خطوات في علاقتها مع نظام الحكم في دمشق، وأعلنت عن موقف دبلوماسي في هذا المسار، حيث أعادت الإمارات عمل سفارتها في دمشق نهاية 2018، ورشحت تسريبات عن خطوة سعودية مماثلة لم تحصل.
أما في قطر فإن الانفتاح على طهران لضرورات واعتبارات مفهومة كان مبعث قلق مبرر لدى السوريين، رغم موقف الدوحة المعلن حيال نظام الأسد، وهو ما يشبه شعوراً متأرجحاً لكون إيران ظهير الأسد الأهم، حتى إن كثيراً من الهمس كان يظهر للعلن حول إمكانية أن تنفتح الدوحة على نظام الأسد عبر خطوات متدرجة ربما تكون نذرها بدعوات ذات طابع رياضي، وهو ما كان مربكا لكثير من السوريين، وليس خافياً أيضا موقف سلطنة عمان في هذا الشأن.
ورغم ما تضمّنه البيان الصادر عن قمة “العلا” ، والذي أكد موقف المجتمعين المستند إلى ضرورة اعتماد مبادئ جنيف واحد، وقرار مجلس الأمن 2254، إلا أن البنود الخمسة (92-93-94-95-96) الواردة في البيان الختامي لا تفسّر اهتماما خاصّا، كما أنها تزيد في القلق، لأنها لا تتضمن عددا من المتطلبات الأساسية المتوقعة والتي تستند إلى الموقف القديم لدول الخليج قبل أي شيء، وهي إدانة واضحة لنظام الأسد وجرائمه، وعدم قبول استمراره في الحكم واتخاذ موقف حاسم من مسألة الانتخابات التي يتم التحضير لها منتصف العام الجاري، لذلك فإن لغة البيان فضفاضة، ولا يلام السوريون إن ابدوا قلقاً حيال مستوى قوتها ووضوحها.
أسهم الاستقطاب خلال السنوات التالية لإعلان حصار قطر في إضعاف المعارضة، ودخول روسيا بقوة لتملأ الفراغ وتؤمن لها قدماً في ملعب المعارضة في الوقت الذي تحمل فيه الأسد على كتفيها، فبات الأسد جزءا من المعارضة في نادرة تاريخية، فيما تنشغل مجموعة حلفاء سوريا بتأمين بيئة مواتية لاستمرار النظام بعد إجراءات ترقيعية مثل ما يجري في جولات اللجنة الدستورية التي تركت مبادئ الحلّ الأساسية وفق قرار 2254، وقفزت فوق هيئة الحكم الانتقالي التي يفترض أن تضع الدستور وتنظّم الانتخابات، وإطلاق الأسرى والمعتقلين وعودة اللاجئين، وكذلك تأكيد مبدأ العدالة الانتقالية كشرط لطيّ صفحة الحرب ومآسيه.
ليس ثمة تفاؤلاً في أثر قمة “العلا” بالنسبة للملف السوري على المدى المنظور، وهذا يفسر أسبقية الدور الأمريكي والروسي، وبالتالي فإن الجميع ينتظر موقف الإدارة الأمريكية القادمة بزعامة “بايدن”، والمحمولة على تركة عهد “أوباما”، وليس معلوماً بعد كيف سيتعامل الأمريكيون مع إيران، وبالتالي فإن سوريا بدأت تطلّ من باب الخطر الإيراني، لا من باب أهمية ما يحصل فيها، وهذا يعني أن موقف الولايات المتحدة من بشار الأسد سيكون مرتبطاً بمدى فائدته أو ضرره في مسألة الوجود الإيراني، وهو مطلب إسرائيلي، وخليجي أيضاً.
تحتاج دول مجلس التعاون لدورة عمل كاملة ربما تمتد لنحو عام حتى يتشكل انطباع عن طبيعة الموقف السياسي لهذه المجموعة، وآلية العمل التي ستتخذها دولها منفردة أم مجتمعة بشأن سوريا أو بشأن غيرها من الملفات في المنطقة، وإلى ذلك الوقت ربما نشهد بشار الأسد يلقي خطاب ولاية تمتد لعام 2028، وهو ما لا يتحمله السوريون نفسيّاً، وتسكت عنه البيانات ويتحمل مسؤوليته المجتمع الدّولي أخلاقياً.
علي عيد