تصر تركيا من خلال تصريحات مسؤوليها المتكررة، على شن عملية عسكرية ضد “وحدات حماية الشعب” (الكردية) في شمالي سوريا، رغم رفض الضامنين في مسار “أستانة”، إيران وروسيا، اللتين تعملان على إقناع أنقرة بالتخلي عن هذه الخطوة.
وبين جهود روسيا بالإقناع ورفض الولايات المتحدة الأمريكية للعملية، تحاول تركيا شن العملية “منتظرة الوقت المناسب”، حسب ما صرّح به الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.
وأعلن أردوغان، تأهب بلاده للبدء بعمليات عسكرية جديدة، بمجرد اكتمال الاستعدادات على الحدود السورية.
وقال عقب اجتماع مجلس الوزراء الذي عقد أمس الاثنين، 27 من حزيران، إن العمليات ستبدأ بعد إتمام النواقص في المنطقة الآمنة التي نؤسسها في سوريا.
وسبقت تصريحات أردوغان، إعلان المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، استعداد تركيا للعملية العسكرية الجديدة، في شمال سوريا، والتي قد تنطلق في أي لحظة، وفق تعبيره.
وأفاد كالن، في 26 من حزيران، أن تركيا نفذت ثلاث عمليات عسكرية في شمالي سوريا، خلال السنوات الماضية، دون الحصول على إذن من أي شخص، مشيرًا إلى تعرض تركيا آنذاك لنفس الضغط، وفق ما جاء في مقابلة له مع صحيفة “Haber Türk“.
وأضاف كالن أن الرئيس التركي يعبر بشكل “جدي”، حول شن العملية العسكرية في سوريا، بقوله “من الممكن أن نأتي في أي لحظة”.
وردًا على الاتهامات بانتهاك تركيا لسيادة ووحدة الأراضي السورية، أكد كالن، عدم تورط الحكومة التركية بأي اشتباك من شأنه أن ينتهك وحدة الأراضي السورية.
وأوضح أنه في حال وجود أي تهديد للدولة التركية من العملية، سيتم إجراء تقييم للوضع واتخاذ الإجراءات اللازمة حول الموضوع.
تزامنت تصريحات كالن، مع قصف القوات التركية والفصائل الموالية لها، فجر أمس الاثنين، عدة قرى شمال مدينة منبج، شمالي سوريا، وفق ما نقلته وكالة “نورث برس“، المقربة من “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).
ويأتي التصعيد التركي، على مدينة منبج، بعد هدوء دام لنحو عشرة أيام في المنطقة.
في حين أفاد مجلس منبج العسكري، عبر موقعه الرسمي، أن القوات التركية والفصائل المدعومة من قبلها بدأت صباح أمس بقصف مكثف بالمدفعية والأسلحة الثقيلة، استهدف عدة قرى شمالي منبج.
وأضاف المجلس، أن القرى المستهدفة هي (عرب حسن، عون الدادات، الجراد، وأربع كيلو)، حيث أطلقت القوات التركية نحو 96 قذيفة، من قاعدتها القريبة من قرية عون الدادات.
وتزامن القصف مع تحليق للطيران المروحي الروسي في أجواء المدينة، وعلى خطوط التماس بين مجلس منبج العسكري والفصائل الموالية لتركيا.
وبحسب وكالة “هاوار” المقربة من “الإدارة الذاتية”، فإن القوات التركية، استهدفت أمس قرية آقيبة في مدينة عفرين، مما أسفر عن أضرار بالغة في المنازل وممتلكات الأهالي.
آخر التطورات ميدانيًا
وزارة الدفاع التركي، تعلن بشكل دوري عن شن قواتها عمليات أمنية في مناطق متفرقة من الشمال السوري، ضد “إرهابيين” وحزب “العمال الكردستاني”، والتي قتلت خلال آخرها 18 “إرهابيًا” منتمين إلى تنظيم “الدولة” وحزب “العمال الكردستاني” (PKK).
وبحسب ما نقلته وكالة “الأناضول” التركية شبه الرسمية، فإن الهجوم استهدف عناصر كانوا يستعدون لشن “هجمات إرهابية” تستهدف مناطق عمليات الجيش التركي شمالي سوريا.
وفي 22 من حزيران، دفعت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) بتعزيزات عسكرية مكوّنة من آليات عسكرية وعناصر، انطلقت من مدينة القامشلي باتجاه بلدة تل تمر شمال غربي الحسكة، بالتزامن مع تحليق لطيران التحالف الدولي في المنطقة.
وبحسب الشبكة المحلية، فإن التعزيزات تزامنت مع تحليق للطيران المروحي التابع لقوات التحالف الدولي في سماء مدينة القامشلي.
وتشهد مناطق نفوذ “قسد” من جهة وقوات “الجيش الوطني” من جهة أخرى قصفًا متبادلًا شبه يومي، تزامنًا مع ارتفاع وتيرة الحديث عن عملية تركية تستهدف “قسد” على الجانب السوري من حدودها الجنوبية.
ومع استمرار الحشد الإعلامي التركي تجاه العملية العسكرية المحتملة ضد (قسد)، المتمركزة في مدينتي منبج وتل رفعت، قالت صحيفة “SABAH” التركية، إن القوات الروسية وقوات النظام انسحبت من مدينة تل رفعت وأخلت مقارها.
من جانبها، نشرت وكالة “الأناضول” التركية شبه الرسمية، تسجيلًا مصوّرًا عبر طائرة مسيّرة، يظهر عمل “قسد” على حفر الأنفاق، كما أرفقت التسجيل بخرائط تُظهر انتشار الأنفاق وامتدادها، بحسب الوكالة.
ضغط للتخلي وتخوف من العملية
في 20 من حزيران الحالي، قال نائب وزير الخارجية الروسي والمبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط وإفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، إن موسكو تأمل أن تتخلى تركيا عن العملية العسكرية شمالي سوريا وأن تستمر في العمل الدبلوماسي، مؤكدًا على مواصلة موسكو بذل جهود للضغط على أنقرة للتخلي عن عمليتها.
وكان مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، وصف في اليوم الأول من اجتماع “أستانة”، الذي عقد في 16 من حزيران الحالي، تهديدات تركيا بشن عملية عسكرية بأنها “خطوة غير عقلانية”، داعيًا أنقرة إلى حل القضية سلميًا عن طريق الحوار.
أما إيران فقد أكدت على ضرورة حل مخاوف تركيا الأمنية في الشمال السوري، وفق ما صرح به وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد الليهان، اليوم عقب لقائه مع نظيره التركي، مولود جاويش أوغلو.
وقال عبد اللهيان، إن مخاوف تركيا الأمنية في سوريا يجب حلها بشكل فوري ودائم.
في حين أشار نظيره التركي، جاويش أوغلو، إلى أن تركيا بحاجة إلى مواصلة العمل معا في هذه القضية، معتبرًا أن “الإرهاب” هو العدو المشترك، للدولتين.
سبقت هذه التصريحات تأكيد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، خلال مؤتمر صحفي عقده حول بقاء الملف السوري “موضع خلاف” بين إيران وتركيا.
وفي 28 من أيار الماضي، أعلن خطيب زاده عن رفض إيران للعملية العسكرية التركية المحتملة في شمالي سوريا، مصرحًا حينها بأن “إيران تعارض أي عمل عسكري واستخدام القوة على أراضي كل الدول بهدف تسوية الخلافات، وتعتبره انتهاكًا لوحدة أراضي هذه الدول وسيادتها الوطنية”.
وتتمركز قوات وميليشيات موالية لإيران في عدة مواقع قريبة من ريف حلب أبرزها مدينتا نبل والزهراء، وسط حديث عن مخاوف إيرانية من أن قيام تركيا بالعملية العسكرية التي تتحدث عنها، قد يجعل المواقع الإيرانية في ريف حلب قريبة من مناطق سيطرة المعارضة.
وكانت الخارجية الأمريكية أوضحت لعنب بلدي تخوفها من العملية العسكرية التركية في سوريا، عبر المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية، سامويل وربيرغ.
وقال وربيرغ في حديث إلى عنب بلدي عبر مراسلة إلكترونية في 26 من أيار، “في الوقت الحالي نحن على تواصل مع المسؤولين الأتراك، وقد عبرنا عن مخاوفنا بشأن التصعيد العسكري والمخاطر التي يحملها في تلك المنطقة، وسنستمر في هذه المشاورات”.
أما بالنسبة لمخاوف تركيا الأمنية، فتتفهمها الحكومة الأمريكية بشكل كبير، ولذلك تجري اتصالات الآن مع المسؤولين الأتراك لسماع مخاوفهم ومشاركة آراء الطرف الأمريكي أيضًا، بحسب وربيرغ.
وتبع إعلان الحكومة التركية، استعدادها لشن عملية عسكرية في سوريا، بيانات متتالية لـ”قسد”، تحدثت فيها عن التحركات العسكرية للقوات الضامنة لعمليات “خفض التصعيد” شمال شرقي سوريا، واصفة إياها بـ”الاعتيادية”، في إشارة إلى أن تركيا لا تنوي فعليًا بدء معركة عسكرية.
وأعربت “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) عن موقفها من العملية العسكرية، من خلال تصريحات القائد العام، مظلوم عبدي الذيأكد استعداد قواته للدخول في أي مواجهة محتملة في حال شنت القوات التركية عملية عسكرية شمالي سوريا ضدهم.
وتأتي هذه التصريحات عقب تزايد الحديث عن معركة عسكرية تركية مقبلة شمال شرقي سوريا، إذ عزز الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الحديث عن هذه المعركة، في 23 من أيار الماضي، قائلًا إن بلاده تعتزم شن عمليات عسكرية عند حدودها الجنوبية مع سوريا.
وتستهدف العملية العسكرية مناطق تل رفعت ومنبج كأهدافًا رئيسية، وفق ما حدده أردوغان.
وخلال السنوات الماضية، أطلقت تركيا سلسلة من العمليات العسكرية في ريف محافظة حلب الشمالي، وامتدت العمليات العسكرية حتى أرياف محافظتي الرقة والحسكة شمالي سوريا.
المصدر: عنب بلدي