تحدثت إيران كثيراً عن “طريق القدس”؛ ولكن الأوضح والأوقح في الحديث عن “طريق القدس”، كان أداتها في لبنان، حسن نصر الله؛ عندما قال إنها “تمر من القصير والزبداني ودرعا والسويداء وحمص وحلب..” الآن يريد “حسن” ترسيم الحدود والتطبيع مع إسرائيل، التي أخذت من القدس عاصمة لها؛ فأين أصبح طريق القدس؟!
لقد ذبحتنا إيران بالمزاودة على كل العرب. أرادت تحويل نفسها إلى مرجعية بشأن القدس العربية. أوجدت ما سمّته “يوم القدس”. باختصار، اختطفت من العرب قضيتهم؛ ليس من الشعب العربي، ولكن من سلطات عربية مأزومة مع شعوبها بالدرجة الأولى. استغلت هذا الجانب، واحتكرت لنفسها القضية العربية الأولى، التي استُعْبِدَت هذه الشعوب من حكامها بسببها؛ حيث كان كل شيٍ مؤجلاً في الساحة العربية من أجل فلسطين. استطاعت إيران الملالي بكل خبث أن تسلب فلسطين ثانية، لتعطي مبرراً لوجود “دولتها الإسلامية”.
باسم شعارها في “المقاومة والممانعة”، احتلّت – بالمعنى الكامل للكلمة- أربع عواصم عربية: بيروت وبغداد ودمشق وصنعاء. باسم مقاومتها وممانعتها، أوجدت ميليشيات حزب الله، الذي ورث حراسة حدود الكيان المغتصب لفلسطين من أنطوان لحد وسعد حداد كحُماة لحدود الكيان الشمالية مع لبنان. وباسم “سلاح المقاومة” كانت السيطرة على لبنان وتفخيخه وإركاعه، والإنهاء الفعلي للمقاومة الوطنية في لبنان، بالتنسيق مع الاستبدادية الأسدية.
لم يهن على جمهورية الملالي تجرع إمامهم الخميني لكأس السم، لإنهاء حربه على العراق؛ فكان التآمر مع إسرائيل وأمريكا لسحق العراق. بصحبة إيران، خرّبت أمريكا العراق كرمى لإسرائيل، وأوكلت إدارته لعملائها وعملاء إيران.( لا ينسى السوريون توريد المالكي للدواعش إلى سوريا، ليكونوا الأداة القاتلة للحراك السوري الحر، ولإنقاذ منظومة الاستبداد الأسدية).
باسم المقاومة والممانعة وفلسطين أخذت إيران دور “البعبع” الذي يرعب دول الخليج العربي، لتمكّن أمريكا من استعبادهم أكثر أمنياً واقتصادياً؛ فكان أن حرّكت الحوثيين ودعمت تخريب اليمن، مُنَصِّبَةً من نفسها مقررا في شؤون عاصمة عربية ثالثة.
أما في سوريا، فكانت لعبتها الأخطر. فبعد التدخل تحت يافطة “حماية المراقد الشيعية” في سوريا، وزرْعها بذور الشر الطائفية؛ انتقلت إلى ما سمّته إدخال مستشارين. حالت دون تجاوب سلطة دمشق مع مطالب بسيطة لشعب أراد الحرية. لغّمت خلية الأزمة، التي كانت تسعى لحل. أرسلت ميليشيات مرتزقة على شكل سوّاح، اتفق المالكي ووليد المعلم على تدفقهم إلى سوريا، وحوّلتهم، من نازحين أفغان لديها، إلى قتلة للشعب السوري. نشرت التشيّع والمخدرات بالتعاون مع حزب حسن نصرالله في مختلف أصقاع سوريا. وضعت يدها على ممتلكات السوريين- وما لم تستطع تعفيشه، حرقته- والأخطر في خطواتها إغراء الروس بالدخول العسكري الثقيل إلى سوريا، و إبعاد منظومة الأسد عن أي عملية سياسية. حشرت نفسها في أستانا، وساهمت مع الروس في بدعة “مناطق خفض التصعيد”، التي عاد الثلاثي الروسي-الإيراني-الأسدي، وابتلعها. زاودت على سوريا والسوريين باقترابها من الجولان السوري المحتل، لتقدّم ذريعة لإسرائيل كي تستبيح سوريا أكثر، وتساهم بتدميرها أكثر؛ فقط ليقال إنها “مقاومة وممانعة”، و”معادية لإسرائيل”.
والآن، وبعد أزمة أدواتها في لبنان، إثر تفجير المرفأ، وإفشال لبنان في تشكيل حكومة إنقاذ، ومناكفة الوساطة الفرنسية -طمعاً ببيع لبنان للأمريكي- يخرج ملالي طهران بفكرة ترسيم الحدود إغراءً لإسرائيل، التي سيتم من خلالها ترطيب أمور الملالي مع أمريكا؛ فيكون الدفع بنبيه بري من قبلهم، ليقود هذا الدور القذر، معلناً استعداد لبنان لترسيم الحدود مع الكيان الصهيوني.
تذكّرُنا هذه الفعلة كسوريين بما قامت به موسكو مشتركة مع إيران الملالي بالتنسيق مع إسرائيل وأمريكا بتسليم ترسانة الكيماوي السوري، إثر استخدام نظام الاستبداد الأسدي لهذا السلاح على السوريين. ولكن بعد تسليم الكيماوي، استمر نظام الأسد باستخدامه، وارتكاب المجازر بحق السوريين مخالفاً القرار الدولي 2118؛ فهل سيتمكن “محور المقاومة” من الاستمرار باستخدام “كذبة المقاومة الفتاكة” بعد ترسيم الحدود، لإخضاع السوريين واللبنانيين والعراقيين واليمنيين!
لا يمكن أكل الفطيرة والاحتفاظ بها، كما يقول المثل الإنكليزي. ولا يمكن لنظام الأسد أو الملالي وحزب الله الاستمرار بكذبة المقاومة، والتطبيع مع إسرائيل في آن معاً. أحد شروط التطبيع الأساسية وقف المقاومة؛ فكيف ستقاوم من تطبع معه؟! هل حرر هذا المحور القدس أو الجولان، ليطبع؛ أم كان كل ما يقولونه دجلاً وكذباً ورياءً باسمه دمّروا المنطقة، كرمى لعيون من كانوا “يقاومونه”؛ وهم بالفعل أدوات وعملاء له؟! وجهة سلاح “المقاومة” كانت واضحة، وكان يتم إخفاؤها بالكذب والدجل، وها هو يُفتَضح الآن. إنها الكذبة الكبرى، والخيانة العظمى، والجريمة الأكبر.
بعد كل ما فعله هؤلاء المستبدون المجرمون، ليرسموا الحدود ويطبّعوا كما يشاؤون؛ ولكن لن يتمكنوا من إجبار شعب المنطقة على السير وراء عمالتهم. على هذه الشعوب العربية أن تستيقظ وتعرف أعداءها وتُخْرِجَ هذه السرطانات من بين ظهرانيها. عليها بانتفاضة شعبية أن تستأصل هؤلاء، وتقرر مصيرها الوجودي. وإن كان لا بد من التطبيع، فليكن القرار لشعوب المنطقة بعد استرداد حقوقها حسب القرارات الدولية، لا عن طريق مَن فرّط بهذه الحقوق، كي يبقى في السلطة.
الكاتب: يحيى العريضي_ تلفزيون سوريا