أهداف متناقضة لواشنطن من وراء تطبيق قانون قيصر

بعد ست سنوات من المداولات التشريعية في الكونغرس الأميركي ونقاشات داخل إدارتين، إدارة الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما وإدارة الرئيس الجمهوري الحالي دونالد ترامب، دخل أمس قانون “قيصر” حيز التنفيذ.

يختلف الواقع الآن داخل كل من دمشق واشنطن عنه في ديسمبر/كانون الأول الماضي عندما وقع ترامب مشروع القانون المعروف باسم “قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين” لكن ما لم يتغير هو استمرار تأييد الحزبين الجمهوري والديمقراطي له.

يفرض التشريع عقوبات على الحكومات أو الشركات أو الأفراد الذين يتعاملون أو يعملون بشكل مباشر وغير مباشر مع نظام بشار الأسد، سواء عسكريا أو اقتصاديا.

وفي أول أيام تطبيق قانون قيصر، أعلن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بالخارجية الأميركية عقوبات على 24 شخصا وكيانا ممن يدعمون جهود النظام السوري لإعادة الإعمار.

وقال بيان الخارجية إن “تصنيفات اليوم هي أول الخطوات التي تتخذها وزارة الخزانة لفرض عقوبات بموجب قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019”.

تغليظ العقوبات

على مدار تسع سنوات فشلت واشنطن وعقوباتها وتدخلها العسكري المباشر وغير المباشر في استهداف نظام الأسد بشكل مباشر، نتيجة اعتماد دمشق الواسع على دعم روسيا وإيران وحزب الله اللبناني، وفي الوقت ذاته لا تستطيع هذه الجهات الثلاث تقديم الدعم المالي أو الدبلوماسي اللازم لدعم إعادة الإعمار.

وتهدف واشنطن من تطبيق قانون قيصر إلى تحقيق هدفين من الضغط الشديد على نظام الأسد: أولهما فض تحالفه مع إيران، وهذه مصلحة أميركية هامة، وثانيهما يتعلق باحتمال أن تدفع العقوبات الصارمة إلى انهيار النظام الحاكم في سوريا، حسب خبراء في واشنطن.

وترى الباحثتان دانا سترول وكاثرين باور، من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، في دراسة لهما اطلعت عليها الجزيرة نت، أن أهمية قانون العقوبات الجديد تنبع من الإشارات التي ترسلها واشنطن واستعدادها لفرض العقوبات حتى على الشركات أو الحكومات التي لها علاقات طيبة مع الولايات المتحدة.

وتريد واشنطن أن تبقى سوريا مغلقة أمام إعادة الإعمار أو الأعمال التجارية في ظل الأوضاع الحالية داخلها، ويدفع قانون قيصر برسالة جدية وتصميم من واشنطن لردع الدول والجهات التي تسعى إلى الاستفادة من أنشطة إعادة إعمار سوريا.

وكانت مسؤولة بالخارجية أكدت أن الهدف الرئيسي لواشنطن هو إجبار الأسد على الخوض بجدية في مسار الحل السياسي، الأمر الذي يعد تخليا عن هدف أميركي قديم تمثل في إسقاط نظام الأسد.

من جهته أكد دبلوماسي غربي يعمل بواشنطن أن إدارة ترامب “رأت أن هناك تراخيا وتساهلا دوليا متزايدا تجاه نظام الأسد، وهو ما ينذر برغبة في رفع العقوبات الدولية المفروضة على دمشق، فقررت أن تكشر عن أنيابها بهذا القانون الصارم”.

وفي حديثه للجزيرة نت، أكد الدبلوماسي -الذي رفض ذكر اسمه- أن “القانون الجديد لن يفرق بين الشركات التي لها أنشطة عسكرية وتلك المتخصصة في أعمال البناء والهندسة المدنية أو شركات التكنولوجيا، حيث سيتم فرض عقوبات شديدة على الجميع بموجب قانون قيصر”.

لا للتربح الشخصي

وفي حديث مع الجزيرة نت، أشار الخبير العسكري ديفيد دي روش إلى عدة أهداف لواشنطن من تطبيق قانون قيصر على رأسها “التأكيد على أن قادة النظام السوري لن يتربحوا بصفتهم الشخصية من عمليات التطهير العرقي التي قاموا بها بمساعدة روسيا وإيران وحزب الله”.

وأضاف دي روش، الذي يحاضر كذلك في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا بجامعة الدفاع الوطني الأميركية، أن “واشنطن لا تريد أن ترى أقارب الرئيس الأسد يشترون أحد أندية كرة القدم الإنجليزية بعد عشر سنوات على سبيل المثال”.

وأشار إلى أن “أهمية سوريا تراجعت بين أولويات الإدارة الأشهر الأخيرة، لكنها تبقى مرشحة لتوترات وعدم استقرار داخلي أو في الدول المحيطة بها، التي تعد أكثر أهمية لمصالح واشنطن مثل العراق ولبنان والأردن وتركيا”.

غياب إستراتيجية واضحة

“واشنطن تعرف بوضوح ما لا تريد في سوريا، لا تريد أن يكون هناك موطئ قدم لتنظيم الدولة أو أي جماعات إرهابية أخرى، لا تريد أن تصبح سوريا دولة يسيطر عليها حزب الله، ولا أن تصبح موطئ قدم لإيران تستخدمها لمهاجمة إسرائيل، ولا تريد لملايين اللاجئين السوريين الزحف عبر تركيا إلى الدول الأوربية” يقول دي روش.

وأضاف أن بلاده “لا تريد كذلك التخلي عن الأكراد ولا أن تصبح سوريا مصدرا لعدم الاستقرار في لبنان والأردن وتركيا والعراق”.

ويرى أن “تجنب المساوئ ومعرفة ما لا نريد لا يبني إستراتيجية متكاملة لواشنطن تجاه سوريا” وأنه ليس هناك إستراتيجية أميركية واضحة تجاه سوريا يمكن تحقيقها أو تطبيقها خدمة للمصالح القومية لواشنطن، خاصة مع محدودية الأدوات العسكرية التي ترغب الولايات المتحدة في استخدامها حيال الأزمة في سوريا.

وستستمر واشنطن في الاعتماد على تطبيق عقوبات على سوريا واستهداف حلفاء النظام معا “ومع معرفة طبيعة النظام الاستبدادي في سوريا وطبيعة حلفائه الإيرانيين والروس وحزب الله، ربما تكون هذه أفضل البدائل للتعامل مع سوريا” كما أكد دي روش للجزيرة نت.

ومن جانب آخر، أشارت دراسة معهد واشنطن إلى أن أميركا تهدف “ظاهريا إلى إنهاء الحرب في سوريا من خلال عملية سياسية بقيادتها تؤدي إلى تشكيل حكومة جامعة وتمثيلية في دمشق. ولم تعد إدارة ترامب تصر على ضرورة خروج الأسد من الحكم، لكنها تشدد على تغيير سلوك نظامه” من خلال بعض بنود قانون قيصر.

المصدر: الجزيرة

الكاتب : محمد المنشاوي

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار

أفكار وآمال السوريين بين الاغتراب والداخل

اتسعت ابتسامة السوريين ذلك الفجر المفعم برائحة الياسمين وبعبق قلوب الأمهات تناجي أولادها "تحررنا هل من عودة"، دموع انهمرت لساعات حول العالم كغيمة صيف...

الحرب الثانية في درعا.. الجفاف ونزيف البشر

على كتف بحيرة، أضحت أثرًا بعد عين، ترامت مراكب صغيرة حملت ذكريات المصطافين لسنوات طويلة غير معلومة، واضمحلت المياه إلى أن تلاشت، ثم تحول...

مستشفى تشرين .. مصنع شهادات الموت المزورة لآلاف المفقودين السوريين

الصور الصادمة التي شاهدها العالم لآلاف السوريين وهم يبحثون عن ذويهم المعتقلين والمختفين في سجن صيدنايا، بعد سقوط حكم الرئيس السوري المخلوع بشار...

سوريّات في فخ “تطبيقات البث المباشر”..بين دعارة إلكترونية واتجار بالبشر

يستقصي هذا التحقيق تفشي “تطبيقات البث المباشر” داخل سوريا، ووقوع العديد من الفتيات في فخ تلك التطبيقات، ليجدن أنفسهن يمارسن شكلاً من أشكال “الدعارة...

ابتزاز واغتصابٌ وتعذيب.. سوريون محاصرون في مراكز الاحتجاز اللّيبية

يستقصي هذا التحقيق أحوال المحتجزين السوريين في ليبيا خلافاً للقانون الدولي، وانتهاكات حقوق الإنسان داخل مراكز احتجاز المهاجرين، وخاصة تلك التي تتبع “جهاز دعم...
Exit mobile version