syria press - أنباء سوريا
يعيش الوطن العربي، من خليجه إلى محيطه، أسوأ وأخطر مرحلةٍ تمرّ به في القرن الحادي والعشرين، مراكز المرجعية العربية (القاهرة وبغداد ودمشق في المشرق العربي والجزائر في المغرب العربي) وهنت وانكسرت، ولم يعد لها دور تؤدّيه. عواصم عربية كانت فاعلة عبر التاريخ ينخرها الفساد، وتعتصرها الندرة، وتخيم عليها ظلال التبعية والانكسار. غابت الزعامات العربية التي صنعت التاريخ منذ النصف الثاني من القرن العشرين، غيّبها القدر قبل أن تتمكّن من تربية كوادر سياسية تحمل راية مواصلة البناء والنهوض بالأمة، بعيدا عن التخلف والتبعية. ربط حكامنا الميامين اليوم حياتنا ومستقبلنا بالمزاج الأميركي. تظلّ أبصارنا شاخصة نحو واشنطن، وما يحدث فيها من متغيرات، وكأن أمتنا العربية بلا تاريخ مشرّف في السياسة والاقتصاد والإدارة.
يحكم الأمة العربية اليوم، في معظم أقطارها، قياداتٌ مصابة بالغرور والأنانية والتعالي والفهلوة السياسية، ويسيطر عليها الجهل بالتاريخ وعبره. وما أكثر عبر التاريخ لو يعلمون! لقد أبعدوا عنهم أهل العلم وأصحاب الرأي السديد، وقرّبوا في مجالسهم ودواوينهم الكذابين والمنافقين والمرتشين والسماسرة. نتيجة تلك الظاهرة، اخترقت إسرائيل صفوف أولئك الحكام، والمبيت في مضاجعهم وهم يتباهون بما يفعلون. وقف أحد أبطال تحرير أميركا من الاستعمار الإنكليزي عام 1789، بنجامين فرنكلين، في فيلادلفيا، مخاطبا المجلس التأسيسي: “أيها السادة، لا تظنوا أن أميركا نجت من الأخطار بمجرّد الاستقلال، فهي ما زالت مهدّدة بخطرٍ جسيم، لا يقل عن خطورة الاستعمار. وهذا الخطر سوف يأتينا من جرّاء تكاثر عدد اليهود في بلادنا. يعمد اليهود، بمجرد تمركزهم في أي بلد، إلى القضاء على تقاليد أهله ومعتقداته، وقتل معنويات شبابه بفضل سموم الإباحية واللاأخلاقية. إنهم أسرع إلى استنباط الحيل لمنافسة مواطنينا والسيطرة على البلاد اقتصاديا وماليا. إني أناشدكم أن تسارعوا بطرد هذه الطغمة الفاجرة من بلادنا قبل فوات الأوان، ضنّا بمصلحة الأمة وأجيالها القادمة، وإلا ستجدون بعد قرن واحد أنهم أخطر مما تفكّرون .. ” (المستقبل العربي، العدد 165/1992).
هل يعتبر بعض حكامنا الذين اندفعوا نحو إسرائيل أنها ستكون سندا لهم في مواجهة أزماتهم السياسية والأمنية والاقتصادية. أدعو كل المندفعين، من عرب الخليج تحديدا، أن يقرأوا كتاب “اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية”، لعميد كلية كينيدي في جامعة هارفارد، استيفن والت، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو، جون مير شايمر. يوضح كيف عبث اللوبي الإسرائيلي بسياسة الولايات المتحدة في كل مناحي الحياة، وكيف أصبح رؤساؤها كأنهم رهينة لإسرائيل. اقرأوا، يا عرب الخليج، كتاب روجيه غارودي “محاكمة الصهيونية الإسرائيلية”، لكي تعلموا ما يُحاك ضد أمتكم العربية الإسلامية، وأنتم تنشدون ود إسرائيل. اقرأوا كتاب منير العكش “أميركا والإبادة الثقافية”، لتعرفوا ما يحاك ضدكم وضد ثقافتكم وتاريخكم ومعتقداتكم الدينية وأوطانكم العربية.
لن أذهب بكم بعيداً عما تفعله إسرائيل اليوم في الخليج العربي. كتبت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، قبل أيام، “يقول رجل أعمال إسرائيلي: صدمت مما شاهدت من تصرّفات بعض السياح الإسرائيليين في دبي. كانوا قد سرقوا مناشف ومخدّات وشراشف وملاعق وصحوناً وغلايات ولمبات وعلّاقات ملابس من الغرف، وكل ما يمكن حمله في حقائب السفر. وتفيد تقديرات الشرطة الإسرائيلية بأن أعضاء من عصابات الجريمة المنظمة في تل أبيب، ضالعين في إدارة نوادي البغاء والدعارة، قد وصلوا إلى دبي. وكشفت القناة 12 الإسرائيلية (الأكثر مشاهدة في إسرائيل) عن ضابط كبير إسرائيلي في الشرطة، لم تسمّه، قوله “إن قادة المنظمات الإجرامية يعملون من خلال وكلاء أرسلوهم نيابة عنهم، أو سافروا هم بأنفسهم، إلى دبي في الأيام الأخيرة لإتمام صفقاتٍ تقدّر بعشرات الملايين من الدولارات. وهدفهم، إلى جانب أمور أخرى، المتاجرة بالكوكائين والمخدرات وغسل الأموال”. .. إنهم قادمون للتخريب، وهدم المجتمع العربي الإماراتي.
هذه نبوءة بنجامين فرانكلين تتحقق اليوم في الخليج العربي، انطلاقا من دبي في دولة الإمارات مرورا بالبحرين، والله العالم أين ستحط إسرائيل رحالها بعد هاتين الدولتين. المجتمعات الخليجية صغيرة، والتأثير فيها بأي أعمال أو سلوكيات وافدة سريعة الانتشار والتأثر. نأى الآباء والأجداد في خليجنا العربي بأنفسهم ومواطنيهم عن الرذيلة، فلم يجعلوا هذه الأرض (الخليج) الطيبة ميدانا للعبث الصهيوني، أخلاقيا وتجاريا وسلوكيا ومعتقدات. مجتمعاتنا صغيرة غير محصنة، سريعة التأثر، مقارنة بمصر الكبيرة تبتلع كل القادمين إليها، وتؤثر فيهم، ومن النادر أن تتأثر بهم.
آخر القول: يا من تتدافعون نحو إسرائيل: أنقذوا أوطانكم قبل أن تحلّ بكم لعنة التاريخ.
محمد صالح المسفر - العربي الجديد