أحذية فوق لقمة السوريين …

سيريا برس _ أنباء سوريا

هذه الصورة ليست جديدة بالرغم من انتشارها الواسع بالأمس، هي صورة منذ خمسين عاماً عندما ابتليت البلاد بعسكر البعث الذين قرروا أن لا استمرار لهذه السلطة إلى الأبد الذي رفعوه شعاراً دون أن يدوسوا على رقاب السوريين.

لم تكن أحذية العسكر التي أصبحت رمزاً مقدساً صالحة لجبهات القتال لأنها هزمت في كل المعارك التي خاضتها مع الأعداء، وهذه الأحذية هرولت مهزومة عام 1967 فسلخ الجولان عن سوريا، وفي حرب تشرين 1973 كادت أن تسقط دمشق بيد الإسرائيليين لولا تدخل العراقيين لأن نفس الأحذية فرّت من الجبهة لكنها انتصرت كما قال البعث حينها انتصاراً معنوياً على فكرة الجندي الإسرائيلي الذي لا يقهر، وصار درساً يتعلمه الطلاب في المدارس ويحفظونه عن ظهر قلب.

الأحذية نفسها لم تقف عند حدود الكذبة التاريخية فمارست دورها في تثبيت النظام حتى الآن بالحديج والنار، وداست على الجميع تحت شعارات قدسيتها أولاً، وأحقيتها بالدعم فذهبت كل أموال السوريين من ثروات وأملاك شخصية لدعمها فهي الجيش الباسل وحامي الحمى والمنافح عن كرامة الوطن والأمة. أما عن كرامة الناس فليست بذات أهمية أبداً، وعلى هذه المسائل الصغيرة أن تهون كرمى لعظمة فكرة الحذاء وقدسيته، وصار ممنوعاً على السوريين مجرد التفكير بالحياة الهانئة فهم منذورن لخدمة مؤسسة الكرامة الوحيدة ..الجيش الباسل، لكي يمتلك السلاح الحديث كان لا بد من التخلي عن رفاهية الموز، وأن تمتد الطوابير أمام الأفران ومؤسسات الإعاشة مجمعات الرز والسكر، وحتى في هذه الأماكن الذليلة للعسكري دوره وأولويته في الحصول على الرغيف وسواه لأنه ذاهب إلى الجبهة الصامتة.

في المواصلات العامة ينزل الجميع ليصعد الحذاء مكرماً مرتاحاً فهو يتعب ويشقى ويتدرب ليل نهار كي ينام المواطن آمناً مطمئناً، وليس بكثير على هذه التضحيات كرسي بسيط في عربة نقل جماعية توصله إلى ثكنة النضال والتضحية.

في دور السينما كان عليك أن تصمت عندما تمتد هذه القدم المقدسة بحذائها المتسخ لتسقط على كتفك أو رأسك فمن حق المسكين المقاتل أن يرفه عن نفسه قليلاً حتى لو كانت الجبهة مسترخية فأنت كمواطن بائس لا تعرف متى تنشب الحرب، ولهذا يجب أن تصمت راضياً عن إهانتك من حذاء يحميك.

لم يشفع للسوري صبره وصمته طوال عقود الذل، وعند أول صيحة احتجاج كانت الأحذية في طريقها إلى دمه، وخرجت كل أسلحة الجبهات الصامتة كي تشعل أجساد الأبناء والأمهات والأجنة، وفي المعتقلات ديست الكرامات والأرواح بذات الحذاء المقدس، وصار الشعب شتاتاً في البلاد وخارجها.

اليوم وفي ذات المكان تعود الصورة كما كانت بالأمس.. حذاء فوق الجميع، وعلى أعناق الجميع فهو الأولى بلقمة الخبز ليس لذات السبب العظيم بل من أجل الجوع الذي يحكم بلاداً من أولها إلى آخرها.

الكاتب : عبد الرزاق دياب _ “زمان الوصل”

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

آخر الأخبار

سوريّات في فخ “تطبيقات البث المباشر”..بين دعارة إلكترونية واتجار بالبشر

يستقصي هذا التحقيق تفشي “تطبيقات البث المباشر” داخل سوريا، ووقوع العديد من الفتيات في فخ تلك التطبيقات، ليجدن أنفسهن يمارسن شكلاً من أشكال “الدعارة...

ابتزاز واغتصابٌ وتعذيب.. سوريون محاصرون في مراكز الاحتجاز اللّيبية

يستقصي هذا التحقيق أحوال المحتجزين السوريين في ليبيا خلافاً للقانون الدولي، وانتهاكات حقوق الإنسان داخل مراكز احتجاز المهاجرين، وخاصة تلك التي تتبع “جهاز دعم...

كعكةُ “ماروتا سيتي” بمليارات الدولارات

آلاف الأسر تتسوّل حقّها بـ"السكن البديل" على أبواب "محافظة دمشق" يستقصي التحقيق أحوال سكان منطقة المزة – بساتين الرازي في دمشق، بعد تهجيرهم من بيوتهم...

معاناة اللاجئات السوريات المصابات بمرض السرطان في تركيا

تصطدم مريضات السرطان من اللاجئات السوريات في تركيا بحواجز تمنعهن من تلقي العلاج على الوجه الأمثل، بداية من أوضاعهن الاقتصادية الصعبة والاختلاف في أحقية...

خدمات المساعدة القانونية المجانية للاجئين السوريين في تركيا

غصون أبوالذهب _ syria press_ أنباء سوريا الجهل بالحقوق القانونية للاجئين السوريين في تركيا يقف حجر عثرة أمام ممارسة حقهم بالوصول إلى العدالة، ويمنعهم...
Exit mobile version