تابعنا جميعًا، الأسبوع الماضي، قضية الترحيل الجماعي لنحو 150 شابًا سوريًا من مختلف مناطق مدينة إسطنبول لا سيما أسنيورت التي يقطنها عدد كبير من السوريين والجالية العربية، بعد أن أوقفهم عناصر من الأمن التركي، ليتم احتجازهم لأيام في مركز مؤقت قبل أن يُنقلوا إلى ولاية “كيليس” المحاذية للحدود السورية ويتم ترحيلهم إلى الشمال السوري.
لا شك أن ما جرى كان صادمًا لما فيه من تناقض صريح مع قانون “الحماية المؤقتة” التي أقرها القانون التركي منذ عام 2013، بهدف تنظيم وجود السوريين في تركيا، وتحديد قوانين إقامتهم وعملهم فيها.
قانون الحماية المؤقتة يمنح السوري الذي لجأ إلى تركيا هربًا من الحرب الدائرة في سوريا، هوية الحماية المؤقتة (كمليك)، على أن تتبع للولاية التي تصدر منها، وبموجب ذلك يتحتم على السوري أن يقيم ضمن هذه الولاية، وأن لا يتنقل بين الولايات التركية إلا بموجب تصريح “إذن سفر” يحصل عليه من موقع بوابة الحكومة الإلكترونية (إي-دولت).
وينص القانون ذاته، على أن حامل هذه البطاقة حينما يُضبط في ولاية أخرى، فإن مهمة السلطات التركية تكمن في إعادته إلى الولاية التي استصدر منها هوية الحماية المؤقتة، وهذا يعني بوضوح أن إجراء ترحيل المخالف إلى خارج تركيا يخالف قانون الحماية المؤقتة 2013 وينتهكه بشكل صريح.
إلى جانب ذلك، وحسبما ذكره حقوقيون وناشطون متابعون لقضايا اللاجئين وحقوقهم في تركيا، أكدوا وجود أشخاص غير مخالفين أصلًا ضمن من تم ترحيلهم إلى الشمال السوري، مما يضع إشارات استفهام حول الدافع وراء هذا التعسف في إرغامهم على الترحيل.
ومن اللافت أيضًا هو ترحيل هذا العدد الكبير (150 شخصًا) ليل السبت-الأحد الماضي، أي في وقت العطلة الأسبوعية للدوائر الحكومية في تركيا، وعبر إكراه هؤلاء الأشخاص على التوقيع على قرارات ترحيلهم “بشكل طوعي”، حسبما يروي عدد منهم.
وبالطبع يجري التواصل مع السلطات التركية ورئاسة الهجرة ووزارة الداخلية، من قبل ناشطين وحقوقيين سوريين وأتراك، من أجل متابعة هذه القضية، والوقوف على طبيعة قرار الترحيل ومسوغاته، أملًا في أن يعود المرحّلون إلى تركيا مجددًا، فجلّهم تركوا منازلهم وأعمالهم وذويهم على حين غرّة.
في هذا السياق، دعونا نتذكر أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أوعز في منتصف شهر تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي 2021، بمنح “دائرة الهجرة” لقب “رئاسة الهجرة” ونقل تبعيتها إلى الرئاسة التركية بشكل مباشر، بعد أن كانت تتبع لوزارة الداخلية التركية.
هذه الرئاسة هي المناط بها سنّ وتحديث جميع القوانين المتعلقة بالهجرة، وعليه فيجب أن توضح الآن فيما لو طرأ تحديث على قوانين 2013، فيما يخص مسألة ضبط حامل الهوية المؤقتة “كمليك” خارج ولايته التي استصدر منها هويته، فهل صارت عقوبة ذلك الترحيل إلى الشمال السوري؟ هذه نقطة مهمة على جميع السوريين معرفتها حتى يكونوا على علم قبل أن يواجهوا مصير الترحيل دون حيلة.
ثانيًا، على رئاسة الهجرة أن توضح آلية توقيف المخالف من حاملي هوية الحماية المؤقتة، هل ينص القانون التركي على حرمانهم من حق التواصل مع أي أحد، أو حرمانهم من توكيل محامٍ لمتابعة قضية توقيفهم؟
أعتقد أن مهمة الناشطين الحقوقيين المتابعين لهذه القضايا أن يتأكدوا بشكل مباشر من رئاسة الهجرة للحصول على توضيحات فيما يخص جميع القوانين الحديثة أو المعدلة الخاصة بحاملي هوية الحماية المؤقتة.
هل قرار الترحيل أمر ممنهج؟
النقطة الثانية التي أريد تسليط الضوء عليها في هذا المقال، هو قرار الترحيل بحد ذاته، هل بات خطة ممنهجة لمواجهة مسائل المخالفات التي طالما يقع بها السوريون في تركيا؟
ما أعلمه وأراه هو أن سياسة الترحيل مقتصرة على الأشخاص الذين يرتكبون جرائم تدخل في حيز التحريض وإثارة الفتنة والكراهية داخل المجتمع التركي، مثلما جرى العام الماضي حيال بعض الأشخاص الذين رحلوا بالفعل بعد فيديوهات مسيئة للعلم التركي والأتراك إثر ما بات يعرف بـ “قضية الموز”، وكذلك الأشخاص الذي رحلوا من أضنة التركية منتصف كانون الثاني/يناير الماضي، إثر ظهورهم في مقطع فيديو وهم يحملون أسلحة بيضاء.
بالنسبة لي لا أعتقد أن السلطات التركية العليا باتت تتبع سياسة الترحيل كسلاح لمواجهة انتشار السوريين في تركيا، لأن توقيف أشخاص غير مخالفين أصلًا فضلًا عن ترحيلهم هو أمر لا يقبله الرئيس أردوغان أو وزير الداخلية سليمان صويلو، وهما معروفان بموقفهما الداعم للسوريين في تركيا في وجه المعارضة التركية التي تحاول استخدام السوريين كورقة ضغط من حين لآخر على الحكومة التركية.
بل يبدو أن ما جرى هو تصرفات فردية غير منضبطة قام بها عناصر من الأمن التركي، من دون مسوغ قانوني يمنحهم الحق في تجريد أشخاص من حق التواصل مع ذويهم أو الحصول على محامٍ وما شابه من حقوق بسيطة تمنح حتى للمجرمين.
لا ينبغي تمرير ما حدث من ترحيل جماعي دون تكاتف بين جميع المؤسسات والجمعيات المدنية المعنية بقضايا اللاجئين والهجرة، سورية كانت أو تركية، إذ إن هذه الحادثة يمكن أن تكرر إذا تُركت دون تحقيق ومساءلة.
أمور يجب مراعاتها
من ناحية أخرى، وفي ظل تزايد حدة العنصرية لدى بعض الشخصيات السياسية المعارضة مثل أوميت أوزداغ زعيم حزب النصر ورئيس بلدية بولو تانجو أوزجان وغيرهما، على السوريين في تركيا أن يكونوا أكثر حيطة وحكمة أكثر من أي وقت سبق.
على الجميع أن يكون ملتزمًا بالقوانين التركية التي تضبط آلية الإقامة وتثبت عنوان السكن عند دوائر النفوس المنتشرة في جميع المدن والمناطق التركية، والالتزام بالإقامة ضمن الولاية التي حصل منها الشخص على هوية الحماية المؤقتة، وإن اضطر للسفر إلى ولاية أخرى فعليه قطعًا أن يحصل قبل ذلك على إذن سفر يخوله التنقل بين الولايات، لأن جميع ما ذكر داخل بموجب قانون الحماية المؤقتة في تركيا.
كما يجب في هذه المرحلة التقيد بحمل هوية الحماية المؤقتة في أي مكان وأي وقت وضمن أي ظرف.
ومع ذلك فإن الترحيل ليس هو الحل كما أنه ينافي ما ينص عليه قانون الحماية المؤقتة 2013.
محمد نور فرهود _ تلفزيون سوريا